جرياً على عادة جميع المسؤولين الأميركيّين «الكبار» الذين يزورون العراق، حطّت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس بشكل سرّي ومفاجئ في بغداد، أمس، آتية من السعودية حيث كانت ترافق رئيسها جورج بوش في جولة شرق أوسطيّة.وفي الوقت الذي كانت توزّع فيه شهاداتها على المسؤولين العراقيّين الذين اصطفّوا بالدور للاجتماع بها، لاقاها وزير الدفاع العراقي محمد جاسم العبيدي في منتصف طريق الهدف الذي أتت إلى بلاد الرافدين لإنجازه، وهو التحضير لمعاهدة «طويلة الأمد» يستعدّ حكّام بغداد لتوقيعها مع الاحتلال، مبشّراً بأنّ بلاده لن تكون مستعدّة لحماية حدودها قبل عام 2018 أو 2020.
زيارة رايس حملت وجهين: أحدهما إعلامي، وثانيهما سياسي وهو جوهر الزيارة. الأوّل عبّرت عنه الضيفة بالإشادة بجهود حكومة بغداد في دفع العملية السياسية قدماً، وهو ما دفعها إلى وصف التطوّرات الحاليّة بـ«زمن الآمال». أما الثاني فتجسّد بكلام وزير الخارجيّة العراقي هوشيار زيباري، الذي أوضح أنّ جوهر النقاشات تمحور حول دعم من التقتهم نظيرته الأميركية لاتفاقية «إعلان المبادئ الخاصّة بالتعاون والصداقة الطويلة الأمد بين بغداد وواشنطن»، والتي سبق أن وقّع على خطوطها العريضة نوري المالكي وبوش في أيلول الماضي. وتنصّ الاتفاقية على إبقاء قواعد عسكريّة أميركية لفترة غير محدّدة في البلاد «لحماية الحدود وحماية النظام من أية انقلابات داخلية».
ويبدو أنه كان على حكومة بغداد أن تبرّر بشكل شبه رسمي، الحاجة إلى بقاء الاحتلال طويلاً، تلبية لتأكيد بوش قبل أيّام بأنّ بلاده لن تنسحب قبل عقد من العراق. واختار العبيدي ولاية فرجينيا الأميركيّة، حيث كان يشارك في مؤتمر، ليعلن أنّ الجيش الأميركي المحتلّ لن ينسحب من بلاده قبل عقد بأقل تقدير.
وتنقّلت رايس في مباني المنطقة الخضراء، حيث التقت جميع مسؤولي الصفّ الأوّل، من الرئيس جلال الطالباني، إلى نائبيه طارق الهاشمي وعادل عبد المهدي والمالكي ونائبه برهم صالح وزيباري ورئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني وعدد من الوزراء.
وقال زيباري، في مؤتمر صحافي مشترك، «أوضحنا الموضوع (المعاهدة طويلة الأمد) لغالبية الدول العربية، وليس هناك سرية في الموضوع وهذه عملية شفافة يشارك فيها كل العراقيّين، والقرار النهائي يعود إلى ممثلي الشعب العراقي في مجلس النواب العراقي». وأضاف: إنّ «القيادات العراقية المؤثّرة تدعم التوصل إلى اتفاقية سياسية واقتصادية وأمنية وثقافية بين العراق والولايات المتحدة، لأننا بحاجة إلى مثل هذا الدعم إلى حين استكمال بناء قدراتنا وإمكاناتنا». ووصف زيباري الولايات المتحدة بأنها «حليف وصديق استراتيجي للعراق، وستبقى كذلك لفترة بعيدة. ونحن لا نخترع أي بدع، فالعديد من دول المنطقة لديها اتفاقات مماثلة مع الولايات المتحدة».
من جانبها، أشارت رايس إلى أن الاتفاقية لا تختصّ بالقضايا الأمنية، لكنها ستكون من أجل استقرار المنطقة. ولفتت إلى أن الحكومة العراقية «المنتخبة ديموقراطياً والولايات المتحدة اتفقتا على أن تكون هناك علاقات طويلة الأمد بين البلدين. لدينا مصالح مشتركة كثيرة، وأهمها ظهور عراق موحَّد، عراق يستطيع أن يدافع عن نفسه، لديه قوات أمنية كافية للتعامل مع التحديات التي يواجهها». واستدركت بأنّ «المسألة ليست مسألة قضايا أمنية، بل علاقة اقتصادية وسياسية. فالولايات المتّحدة كانت قوّة استقرار هامّة في المنطقة وفي الخليج لعقود من الزمن، ونحن نتطلّع إلى علاقات مع العراق تتناسب مع الأصدقاء الذين ضحوا معاً وحققوا هذا العراق الديموقراطي ويساهمون من أجل استقراره وبالتالي استقرار المنطقة».
وهنّأت رايس العراقيين على إقرار قانون «العدالة والمساءلة»، واصفة الحدث بأنه «يعكس زمن الآمال». ودعتهم إلى فعل المزيد لإقرار قانون النفط وقانون انتخابات مجالس المحافظات «في أقرب فرصة لإتمام العملية السياسية التي تسير بشكل رائع».
وأشارت رايس إلى أنها حثّت «المسؤولين على إجراء انتخابات محلية وقانون جديد للنفط وميزانية جديدة». ونقلت عن بوش قوله للمسؤولين الخليجيين الذين التقاهم «نحن في المسار الصحيح لبدء عملية خفض القوات التي تحدث عنها الجنرال دايفيد بترايوس (قائد قوات الاحتلال في العراق)».
وفي السياق، كشف المتحدث باسم الحكومة العراقية، علي الدباغ، عن أنّ رايس أكّدت أن بوش «فاتح الدول العربية والإقليمية حول إمكان دعم اتفاقية الصداقة بين العراق والولايات المتحدة».
والحفاوة الأميركية تجاه العراقيين، قابلتها حفاوة أخرى من جانب وزير الدفاع العراقي عبد القادر محمد جاسم العبيدي، الذي جزم بأنّ قوات الجيش والشرطة العراقية «لن تكون قادرة على تسلم الأمن الداخلي بمفردها قبل عام 2012 أو الدفاع عن الحدود ضدّ أي عدو خارجي إلا بحلول عام 2018 أو 2020 كحد أدنى»، في إشارة منه إلى ضرورة بقاء القوات الأميركية في العراق 10 سنوات على الأقل، علماً بأنّ الكلام كان بحضور رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأميركية الأدميرال مايكل مولن، وقائد القيادة المركزية ويليام فالون.
وفي السياق، أعلن كبير المسؤولين العسكريين الأميركيين في محافظة الأنبار، العقيد جون شارلتون، أنّ جيشه قرّر تسليم السلطات العراقية الملفّ الأمني في المحافظة الغربية، وهي كبرى محافظات البلاد من حيث المساحة، قبل أواخر نيسان المقبل.
أمّا الجيش التركي، فقد عاود بدوره قصف القرى الكردية شمال العراق في محافظة دهوك.
(الأخبار، أ ب، أ ف ب، يو بي آي، رويترز)