أرنست خوري
الفوضى سيّدة الموقف داخل الجامعات التركيّة. هكذا يُختَصَر الوضع بعد إعلان حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، على لسان رئيس البلاد عبد الله غول، ورئيس مجلس التعليم العالي، القيادي في الحزب المذكور يوسف زيّا أوزكان، أنّ بمقدور الطالبات المحجّبات التوجّه إلى قاعات التعليم من دون نزع الغطاء عن رؤوسهنّ، أو ارتداء الشعر المستعار فوق الحجاب.
لكن في بلد حكمه العسكر طيلة عقود، فإنّ تعديلاً دستوريّاً على أهميّته، لا قيمة عمليّة له موازية لصلاحيّة ما يملكه رؤساء الجامعات، حيث يظهر كأنّ هؤلاء «رؤساء جمهوريّات» لا سلطة للحكم المركزي عليهم.
فرغم أنّ التعديل الدستوري للمادّتين 10 و42 (عدم حرمان أي تركي من التعليم الجامعي والخدمات العامّة ما لم يكن هناك مانع منصوص عليه في القانون) أُقرّ في البرلمان بغالبيّة 411 صوتاً (من أصل 550) ووقّعه غول الجمعة الماضي، فإنّ عدداً كبيراً من رؤساء الجامعات رفضوا أمس والسبت، فتح أبواب صروحهم أمام المحجّبات. انطلق هؤلاء من «اجتهادات» قانونيّة مفادها أنّ قرارَي المحكمة الدستوريّة عامي 1989 و1991، اللذين ثبّتا منع ارتداء الحجاب «لأنّه رمز سياسي»، لا يُبطَل مفعوله إلا بتعديل المادّة 17 من قانون التعليم العالي الذي تذهب في المنحى ذاته، كما لا يسري مفعول السماح إلا إذا حكمت المحكمة الدستوريّة بذلك.
هنا اضطرّ الحزب الحاكم إلى الدخول في «اللعبة». لعبة جاءت على شكل صفقة سياسية مع حزب الحركة القوميّة التركيّة. جوهرها تأمين نصاب الثلثين للتعديل الدستوري في مجلس النوّاب: مكسب للإسلاميّين. في المقابل، يتمّ تعديل المادّة 17 لتحديد أنواع الحجاب المسموح ارتداؤها، لمنع «الشادور» والحجاب الذي يغطّي كامل الرأس: مكسب للعلمانيّين. لكن من قال إنّه في السياسة لا يجوز الانقلاب على الاتفاقات، وخصوصاً إن كانت «سريّة»، أو غير مكتوبة؟ ومن قال إنّ «العدالة والتنمية» لا يجيد فنّ الانقلاب على «الحلفاء» متى حصل على مراده منهم؟
كذب في الحياة الاجتماعيّة، وواقعيّة مبتذلة في المسيرة السياسيّة هو ما قام به الحزب الحاكم أمس، عندما أعلن أوزكان أنّه «لم يعد مطلوباً القيام بأيّ إجراء قانوني إضافي للسماح بارتداء الحجاب بعد التعديل الدستوري والإقرار الرئاسي». «فتوى» سيكون لها أصداء كبيرة، وخصوصاً أنّ حزب الشعب الجمهوري يقدّم اليوم (الأربعاء) نقضه إلى المحكمة الدستوريّة لإلغاء مفعول التعديل.
هكذا، يبدو أنّ الرئيس السابق لحزب الشعب الجمهوري ألتان أويمين، كان محقّاً عندما حذّر من أن تكون الحملة العسكريّة ضدّ «العمال الكردستاني»، هدفها الحقيقي تمرير الحكومة لمجموعة من التعديلات والقوانين، في مقدّمها قانون الحجاب. كان لا بدّ من أن يسعى رجب طيّب أردوغان إلى التحرّر من موجبات التزامه مع «الحركة القوميّة» في أسرع وقت. ومن أين يأتي الرجل بتوقيت أفضل من وقت الحرب ضدّ الأكراد؟
في النهاية، يستطيع الحزب الإسلامي الحاكم أن يتذاكى في العمل السياسي، كما أن يلامس حدّ الانتهازيّة. لكن الكلمة الفصل حول «حجاب الجامعات» تبقى محصورة بيد رؤساء الجامعات. معظم هؤلاء لا يحتملون رؤية طالباتهنّ محجّبات. وفي يومي الدراسة الماضيين، السبت والاثنين، منعنهنّ من دخول الحرم. فالشرطة المولجة أمن الجامعات تأتمر من السلطة الإداريّة للكليّة لا من رئيس الحكومة أو الجمهورية.
ليس أمام أردوغان وغول فعل الكثير قبل صدور قرار المحكمة الدستوريّة ومجلس التعليم العالي. قرار المؤسّسة الثانية شبه محسوم لمصلحة التعديل الدستوري. أمّا قرار المحكمة فيُرَجَّح أن ينقض التعديل، ما قد يفتح الباب أمام طرح الموضوع على استفتاء شعبي. استطلاعات الرأي تفيد أنّ الغالبية تحبّذ إلغاء الحظر. وأبرز ما قد يستطيع فعله الرجلان، الاستماع إلى التحذيرات من انتقال الصراع بين معسكري مؤيّدي التعديل الدستوري ومعارضيه، من الشارع ومجلس النوّاب، إلى داخل القاعات الأكاديمية، حيث قد نرى شدّ الشعر ومقاطعة الدروس والإجراءات الاستنسابيّة بحقّ الطلاب...