حسام كنفانيلم يعد التفاؤل «الحمساوي» بإبرام اتفاق تهدئة مع إسرائيل على حاله بعد مرور أكثر من شهر على موافقة الحركة الإسلامية على الطروحات التي قدمتها القاهرة في هذا الشأن. تراجع التفاؤل ناتج من الشروط الجديدة المطروحة إسرائيلياً، التي تشير إلى اعتبارات جديدة للدولة العبرية، التي يبدو أنها لم تعد متلهفة على التهدئة في الجنوب قبل تحقيق ما تراه «مكاسب ملموسة» من أي اتفاق مع «حماس».
«حماس» اليوم لا تزال بانتظار الردود الإسرائيلية المقدّمة عبر القاهرة، التي من المقرّر أن تصل إلى الحركة خلال الأيام المقبلة، لتحدّد في ضوئها موقفاً نهائيّاً من التهدئة. وهي إلى الآن لا تزال تعتقد أن فرص التهدئة والتصعيد متساوية، استناداً إلى الردود والتصريحات الإسرائيلية المتناقضة. إلا أنها في الوقت نفسه لا تزال متمسّكة، على الأقل في العلن، بشروطها الخاصة برفض ربط مصير الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط بالتهدئة، وضرورة الرفع الفوري للحصار وفتح المعابر.
الشروط التي كانت إلى الأمس القريب مقبولة إسرائيلياً، وجرى التدوال بشأن آلية تطبيقها بين سلطات الاحتلال والسلطة الفلسطينية على اعتبار أنها ستكون المسؤولة عن المعابر، باتت اليوم خارج المناقشة، وحلّت محلها شروط إسرائيلية أكثر تعقيداً، ليس أقلّها «التهدئة مقابل التهدئة»، أي إسقاط الحصار وفتح المعابر من بنود أي اتفاق هدنة مرتقب، على أن يكون ذلك رهن التطورات على الأرض ومسار مفاوضات تبادل الأسرى.
شروط إسرائيلية لا تحظى إلى اليوم برفض صريح من حركة «حماس»، التي تكتفي بإبداء تحفظات على تحديد الجدول الزمني لرفع الحصار وفتح المعابر، وتحديد آلية تنفيذ التشغيل التدريجي لمعابر غزة. كما أن الحركة لا تزال تصر على رفض ربط ملف شاليط بالتهدئة، وضرورة بحثه بشكل منفصل بعد إنجاز التهدئة، وهو موقف تشاطرها فيه مصر، التي ترى أيضاً، بحسب أوساط «حمساوية»، أن مسألة وقف تهريب الأسلحة غير منطقية في ظل عدم وجود ضوابط جديّة لمكافحة التهريب وانسداد الأفق السياسي للوضع الداخلي الفلسطيني.
في المقابل تبدو الشروط الإسرائيلية وما تحويه من مماطلة مرتبطة أساساً بتحولات إقليمية همّشت الجبهة الجنوبيّة للدولة العبريّة ولم تعد الأولويّة لتهدئتها، وخصوصاً أن انطلاق الحديث عن التهدئة جاء في ظل «معقوليّة» مرتفعة لحرب مع لبنان وسوريا، حسبما جاء في التقرير السنوي لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.
هذه «المعقوليّة» لا يبدو أنها مرتفعة الآن. على الأقل هذا ما يظهر إلى العلن مع المعطيات الجديدة على هاتين الجبهتين. فالمفاوضات غير المباشرة التي تمكنت تركيا من احتضانها بين إسرائيل وسوريا برّدت، ولو مؤقّتاً، السخونة التي كانت ظاهرة على جبهة الجولان، وفتحت باباً حواريّاً قد لا تمضي فيه إسرائيل إلى النهاية، لكنه يكسبها بعض الوقت على حساب ملفات أخرى.
كما أن إسرائيل ترى اتفاق الدوحة الأخير بين الأطراف المتصارعة على أنه كبح مؤقّت لحزب الله المشغول حاليّاً في الجبهة السياسيّة الداخلية، ما يعني تأخير الرد الانتقامي على عميلة اغتيال القيادي في الحزب عماد مغنية. رؤية رسخها الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله بتعهده بـ«صيف هادئ ووادع»، إضافة إلى ظهور ملامح اتفاق أسرى في أفق الصراع الإسرائيلي ـــــ اللبناني.
أمام هذا الواقع، لا تبدو إسرائيل في وارد تقديم مشروعية سياسيّة مجانيّة لـ«حماس»، ولا سيما أن حجم التهديد الذي تمثله الحركة لا يمثِّل مصدر إزعاج كبير لإسرائيل. فرغم الحديث اليومي عن مدى الصواريخ، إلا أن قوة الرؤوس المتفجّرة لا تكاد تذكر. في المقابل، لا تملك «حماس» إلا خيار المضي في الملهاة التفاوضيّة، علها تحقّق بعض المكاسب حتى لو اضطرت إلى المزيد من التنازل، ولا سيما أن الخيارات أمامها محدودة وبديل التهدئة سيكون التصعيد العسكري أو استمرار الحصار، وخصوصاً بعد التحذير المصري شديد اللهجة الذي وجه إلى رئيس المكتب السياسي للحركة، خالد مشعل، لدى حديثه من طهران عن «خيارات بديلة لرفع الحصار».