واشنطن ـ محمد سعيد خاص بالموقع - بعد عام على دخوله البيت الأبيض، يُلقي الرئيس باراك أوباما أمام الكونغرس الأميركي خطاباً عن حالة الاتحاد، سيُعيد من خلاله النظر في جدول أعماله بعدما تبين له أنه بالغ في قدرته على تنفيذ الكثير من بنوده، في وقت كشف فيه أحدث استطلاع للرأي أن الأميركيين منقسمون على ما أنجزه خلال توليه السلطة.
وقالت شبكة التلفزيون الأميركية «سي أن أن» إن الاستطلاع الذي أجرته مع مؤسسة أبحاث الرأي العام بيّن أن 49 في المئة من الأميركيين يوافقون على ما يقوم به أوباما في البيت الأبيض، وأن 50 في المئة غير موافقين. وقال 55 في المئة إنهم لا يظنون أن أوباما أولى الانتباه الكافي للمشاكل الأكثر أهمية، وأشار 45 في المئة إلى أنه كان صائباً في أولوياته.
ويرى مراقبون أن هناك تحولاً من المثالية إلى الواقعية عند أوباما، وأن الأخير أدرك خلال عام من التجربة الحية التي عاشها في البيت الأبيض أن خيوط اللعبة كلها ليست في يده، وأن هناك وراء الكواليس تقبع قوى لا يستهان بها تتعارض مصالحها في الغالب مع ما عقد عليه العزم من تغيير.
ويتوقعون أن يركز أوباما في خطابه على القضايا المحلية، وخاصة الاقتصاد والتعليم والرعاية الصحية وغيرها من القضايا التي تهم بالدرجة الأولى المواطن الأميركي، فضلاً عن أن قضية الأمن التي مثلت الثغرة التي يتسلل منها الجمهوريون إلى مواطن الضعف في الإدارة الديموقراطية ستحتل جانباً كبيراً من الخطاب.
وستتوارى قضية الجهد الأميركي في عملية تسوية الصراع العربي الإسرائيلي، بعدما أدرك أوباما أن التركيز عليها يجعله هدفاً للصهيونية ووسائل إعلامها الكفيلة بأن تزعجه وتعطل برامجه المحلية، ما يزيد من تآكل شعبيته. وقد أظهر ذلك اعترافه في مقابلة مع مجلة «تايم» الأميركية الأسبوع الماضي بأنه بالغ في الاستخفاف بثقل القضية الفلسطينية، وأفرط في التفاؤل بقدرته على حلها.
ولم يقتصر الأمر على القضية الفلسطينية، بل سبقتها مبالغات في قدرته على إغلاق معتقل غوانتانامو في كانون الثاني الجاري، وتفاؤل بحل الأزمة الاقتصادية، وبقدرته على إصدار أوامر لمسؤولي البنوك والشركات الاستثمارية بالتوقف عن إغداق العطايا لأنفسهم والسباحة في أرباح طائلة، بينما يكابد عملاؤهم ودافعو الضرائب ألم الخسارة ويدفعون الفاتورة من أقواتهم.
كذلك بالغ أيضاً في قدرته على إمرار المشروع الطموح الخاص بالرعاية الصحية وشمول أكثر من 30 مليون أميركي بالتأمين الصحي الذي سيسجل على أنه إنجاز تاريخي يضمن لأوباما من الأصوات ما يبقيه في البيت الأبيض لفترة رئاسية ثانية، إذا نجح في إمراره.
وقد توالت النكسات التي رأى مراقبون أنها ألحقت الضرر بأوباما بعد عام من توليه السلطة، وبددت الكثير من هذه الطموحات وألقت بظلالها القاتمة على مستقبل مشروعاته وكبلت برامجه التي داعب بها خيال الشعب الأميركي وآماله.
النكسة الأولى وُجهت لسياسته الخارجية في ما يتعلق بتحريك عملية التسوية في المنطقة التي حمل مسؤولية إخفاقها على عدم رغبة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في تقديم التنازلات الكافية للشروع في عملية تفاوض ذات صدقية.
وتمثلت النكسة الثانية في حصول الشركات والبنوك الأميركية على حكم من المحكمة العليا يسمح لها بتمويل الحملات الانتخابية من دون حد أقصى، وهو ما يفتح الباب أمام هذا القطاع الذي أعلن أوباما الحرب عليه لكي يبدأ في شنّ حرب مضادة دعائية عليه.
أما النكسة الثالثة فقد سببها فوز المرشح الجمهوري سكوت براون بمقعد ولاية ماساتشوسيتس في مجلس الشيوخ الأميركي الذي احتله أكثر من أربعين عاماً العضو الديموقراطي الراحل إدوارد كينيدي ليبدد بذلك الغالبية المطلقة التي كان يتمتع بها الديموقراطيون في مجلس الشيوخ، ومن ثم يمنح الجمهوريين العدد الكافي من المقاعد للتسويف وتعطيل إمرار مشروع قانون الرعاية الصحية العملاق، وذلك لعدم توافر الستين صوتاً المطلوبة للديموقراطيين كي يتغلبوا على هذه الحيل (المشروعة).
غير أن هذه النكسات لم تدفع أوباما إلى إعلان استسلامه، لكنها كفيلة في الوقت نفسه بأن تجعل من تسوية الصراع العربي الإسرائيلي الضحية الرئيسية، إذ سيكون تركيزه الأكبر على سياسته الداخلية وصراعاته مع خصومه الجمهوريين وأصحاب المصالح وجماعات الضغط الموالية لهم، الأمر الذي يعتقد المراقبون أن أوباما سيستغل خطابه لمغازلة الجمهوريين في سياق حديثه عن ضرورة الوحدة لخدمة الشعب الأميركي وتحقيق مصالحه.