بطلا «الانتصار» يتصارعان انتخابياً: الجنرال VS الرئيسحبيب الياس
رغم أن الانتخابات الرئاسية في سريلانكا تجري اليوم في ظل أجواء سلمية بعد ثلاثة عقود من المواجهات، فإنّ طيف الحرب الأهلية يبقى مسيطراً على الأجواء الانتخابية، وقد يكون له الفضل في تحديد نتيجتها النهائية. 22 شخصاً هم المرشّحون للرئاسة في سريلانكا. قد يكون الرقم قياسيّاً للمرشحين، إلّا أن المنافسة تنحصر بين رئيس سريلانكا الحالي، ماهيندا راجاباكسه، الذي ينسب إليه الفضل في الانتصار على متمردي نمور التاميل، ومنافسه الرئيسي، القائد السابق للجيش، سارات فونسيكا، الذي قاد الجيش إلى «النصر».
ورغم تفوق الرئيس، صاحب الـ40 سنة من الخبرة السياسية، في الاستطلاعات، فإنّ المحللين يقولون إن هناك تحولاً باتجاه فونسيكا، الخصم اللدود لرئيس الجمهورية.
ورغم سيطرة الرئيس على أجهزة الدولة، والانفراد بالدعم الإعلامي، ما يعطيه ميزة ترجيحية، فقد تؤدّي هذه الانتخابات إلى نتيجة مفاجئة، مع احتشاد المعارضة المنقسمة وراء فونيسكا، فضلاً عن مساندة أحد أحزاب التاميل المعتدلة له أيضاً.
والخصومة المشتعلة بين الرئيس والجنرال المتقاعد قديمة العهد؛ فبمجرد نجاح المؤسسة العسكرية السريلانكية في سحق «نمور التاميل»، سارع راجاباكسا إلى إقالة فونسيكا من منصب قائد ا

المنافسة تنحصر بين رئيس سريلانكا الحالي والقائد السابق للجيش
لجيش وتعيينه في منصب شرفي إلى حد كبير، وهو منصب رئيس أركان الدفاع. هذه الخطوة طورت علاقته بالرئيس من سيّئة إلى أسوأ. وحين قرر راجاباكسا في تشرين الثاني الماضي الدعوة إلى انتخابات مبكرة، في محاولة لاستغلال مكانته باعتباره بطل حرب في نظر السنهاليين، القومية المسيطرة في سريلانكا، وجد في انتظاره مفاجأة كبرى، حين سارع فونسيكا إلى تقديم استقالته حتى يتسنى له الوقوف في مواجهة الرئيس بوصفه مرشح المعارضة المشتركة.
ورغم أن إيجاد حل سياسي بعد هزيمة «نمور التاميل» في أيار والتوصل إلى عملية مصالحة وسلام مستدام لمنع أي أعمال عنف جديدة، هي إحدى أبرز القضايا المطروحة في حملات المرشحيّن الرئيسيّن، فإنّ ذلك لم يتظهّر في تصريحاتهما، التي ركّزت على الجانب الاقتصادي والإصلاحات السياسيّة.
يشار إلى أن الأقلية التاميلية قد تؤدي دوراً بارزاً في ترجيح كفة أحد المرشحين، ولا سيّما أن الفارق بينهما ضئيل جداً. إلّا أن الخيار بين من أمر بتنفيذ الهجوم ومن قاده، يكاد يكون مستحيلاً.
وحاول المرشحان أن يركزا في استراتيجياتهما الانتخابية على الإصلاحات السياسية الثانوية، من دون أن ينسيا التشديد على قوميتهما السنهالية، وانفتاحهما على الأقلية التاميلية.
وتحدث فونسيكا عن القضاء على الفساد وإلغاء النظام الرئاسي، الذي يتمتع فيه الرئيس بسلطات تنفيذية واسعة النطاق، قائلاً «لا نستطيع الآن أن نترك البلاد في يد ديكتاتور»، فيما ركّز راجاباكسا في حملته على السلام والتنمية في مرحلة ما بعد الحرب، من دون أن يحدد أي سياسات بعينها لتحقيق ذلك.
وانتقد فونسيكا سجل الحكومة في ما يتعلق بالفساد والحريات الإعلامية والديموقراطية وإعادة توطين من شردتهم الحرب، وجميعها موضوعات تقول المعارضة والغرب أيضاً إن راجاباكسا لم يقدم بشأنها شيئاً يذكر.
وقال فونسيكا إنه إذا استطاع الفوز بالانتخابات الرئاسية، فإنه سيجري انتخابات عامة قبل نيسان 2010. وتابع «لقد وعدت عندما أصبحت قائداً للجيش السريلانكي عام 2006 بعدم تسليم الحرب ضد «نمور التاليم» إلى قائد الجيش الذي سيخلفني. وفعلت ذلك، وأنهيت الحرب بنجاح. إنني أحترم وعودي في كل مرة. وسأقوم بذلك أيضاً هذه المرة في مجال السياسة». ووعد بتحرير الآلاف من شباب التاميل المشتبه في صلتهم بالمتمردين.

يتحدث فونسيكا عن القضاء على الفساد وإلغاء النظام الرئاسي
أما راجاباكسا فقد بادر إلى تخفيف بعض القيود المفروضة على السفر في الشمال الذي يسيطر عليه التاميل، بعد فتح المعسكرات المغلقة، حيث كان أكثر من 270 ألفاً من التاميل محتجزين طيلة أشهر. وحتى الآن لا تزال هذه المعسكرات تحتوي على مئة ألف منهم.
ورغم ذلك، فإن أياً من المرشحين الرئيسيين لم يعِد بالتصدي للتحدي الرئيسي الذي تواجهه البلاد، وهو التعاطي مع مشكلة حقوق الأقليات. فمن المعروف أن القضية التي أدت إلى اندلاع الحرب الأهلية في الأساس تعود إلى التحركات التي بدأتها البلاد في مرحلة ما بعد الاستقلال نحو تبنّي هوية وطنية أحادية العرقية، من اعتماد اللغة السنهالية فقط لغةً رسمية في عام 1956، والتعديل الدستوري في عام 1972 الذي ألغى الفقرة التي كانت تحظر التمييز ضد الأقليات، والذي أدى إلى اندلاع المواجهات مع «نمور التاميل».
وعلى المستوى الاقتصادي، يقطع المرشحان الرئيسيان وعوداً كثيرة، لكنهما لم يتحدثا بوضوح حتى الآن عن الطريقة التي سيستفيدان بها من حالة التفاؤل الاقتصادي في فترة ما بعد الحرب لتعزيز النمو.
وفيما تحدث راجاباكسا عن تطوير البنية التحتية والقضاء على الفقر، وخصوصاً في المناطق الريفية، من المتوقع أن يعد بمخصصات ليفوز بتأييد هذه المناطق.
وقد يواجه فونسيكا مشكلة تتعلق بسياساته الاقتصادية، لأن الجهتين الرئيسيتين اللتين تدعمانه، وهما الحزب الوطني المتحد (يميني)، وحزب «جاناتا فيموكثي بيرامونا» الماركسي، لهما رؤيتان مختلفتان.
وفي النهاية مهما كانت النتيجة، فإن الرئيس المقبل سيواجه اتهامات المنظمات الحقوقية للمرشحين بارتكاب جرائم حرب في المرحلة الأخيرة من الحرب ضد «نمور التاميل».


«النمور»وتطالب الحركة، ذات الفكر الماركسي اللينيني، بحق تقرير المصير وإنشاء دولة تاميل في السواحل الشمالية الشرقية لجزيرة سريلانكا. وكانت تعدّ الحركة القتالية الأكثر فاعلية في العالم، والوحيدة التي تمتلك وحدات جوية وبحرية.
وفي شباط عام 2002، أبرمت الجبهة اتفاق وقف إطلاق النار، سقط عام 2005 مع وصول الرئيس ماهيندا راجاباسكا إلى الحكم، بعدما منح الجيش، برئاسة سارات فونسيكا، الضوء الأخضر لإبادة التمرد، إلى أن انتهت الحرب في أيار العام الماضي بمقتل «النمر الأول» زعيم الجبهة فلوبيلاي برابهاكران (الصورة).