ينأى بنفسه عن المشاكل الداخليّة ويسعى إلى تلميع صورته قبل مغادرة منصبهباريس ــ بسّام الطيارة
بقي وزير الخارجية الفرنسي، برنار كوشنير، بعيداً عن «معمعة الهوية الوطنية» التي أثارها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قبل نحو عام، ولم يقترب من بؤرة فكرة نزع الجنسية الفرنسية عن بعض الفرنسيين من أصول مهاجرة.
كان ينظر مواربة كأنه لم يكن عضواً في الحكومة من حيث تخرج تصريحات الوزراء لتزيد من تفاقم انقسام الشعب الفرنسي حول الهجرة والمهاجرين، وبالتالي حول الإسلام، ثاني أكبر ديانة في الجمهورية.
قد يكون «الفرنش دكتور» متلطّياً وراء حجة «الشأن الداخلي الفرنسي»، بينما هو وزير للخارجية. إلا أنه لم تبدر منه أي لفتة أو إشارة إلى مسألة طرد الغجر وإعادة البلغاريين والرومانيين منهم إلى بلادهم، رغم الضغوط التي تمارسها باريس على عاصمتين أوروبيتين لاستقبال هؤلاء الأوروبيين، ورغم ردات فعل بروكسل المحذرة لباريس، وهي كلها شؤون «خارجية».
التفسير الوحيد لمثل هذا «الابتعاد عن الأضواء لمن يعشق الضوء»، كما يصفه «زميل اشتراكي سابق»، هو معرفة كوشنير أن «عليه وداع الكي دورسيه» عند التعديل الوزاري المنتظر في بداية الخريف.
ويتفق المراقبون على أن «كوشنير سوف يكون على رأس قائمة الذين سوف يشكرهم الرئيس». فمن غير المنتظر أن يحتفظ به ساركوزي، رغم أن كوشنير لا يزال بين أكثر السياسيين شعبية لأسباب يصعب تفسيرها.
وتتحدث أوساط مقربة من الرئيس الفرنسي عن أن «التيار لم يعد يمر بين الرجلين»، وأن ساركوزي «ضاق ذرعاً بالرجل»، ويضاف إلى ذلك أن قاطن الإليزيه يريد عبر التغيير الحكومي تأليف فريق متجانس «يذهب به إلى معركة الانتخابات الرئاسية» بعد عشرين شهراً.
قد تكون كل هذه الأسباب مجتمعة وراء «حركة كوشنير النشطة لتبييض صفحته». تبييض ليس تجاه حزب اليمين الحاكم ولا تجاه الاشتراكيين، بل تجاه الخارج.
عمد إلى تسريب «رواية خياليّة» عن «إنقاذ جيش لبنان» خلال موقعة العديسة
وعكفت أوساط مقربة منه في الأسابيع القليلة الماضية على «محاولة تنظيف سجله»، إما بوضع اللوم على ساركوزي في الملفات التي أصابها النسيان أو تلونت بالفشل الإعلامي، أو بمحاولة الظهور بصورة «البطل» في بعض الملفات، وخصوصاً العربي منها.
وبرز ذلك مباشرة بعد عدوان العديسة في لبنان. فعمدت الأوساط المقربة من وزير الخارجية الفرنسي إلى تسريب «خبر إنقاذ جيش لبنان» من جانب كوشنير وساركوزي، وذلك عبر نشر ما وصفه البعض بأنه «رواية خيالية» تتحدث عن اتصال من وزير خارجية الدولة العبرية إيهود باراك بكوشنير لـ«إعلامه بأن الجيش الاسرائيلي سوف ينزل درساً بالجيش اللبناني» بسبب رده المسلح وإردائه الضابط الإسرائيلي. وبحسب هذه التسريبات المنظمة، فإن كوشنير «وضع كل وزنه لردع تل أبيب».
ويصف خبير مقرب من ملفات منطقة الشرق الأوسط هذه التسريبات بأنها «مضحكة»، وخصوصاً أن أوساطاً مقربة من ساركوزي عبرت عن «عدم رضى عمومي» عن هذه التسريبات ليس فقط لأنها تضع ساركوزي وكوشنير في نفس مرتبة «تبليغ باراك»، بل لأنها تشير إلى وجود «تنسيق بين تل أبيب وباريس في شأن ضرب لبنان» من جهة، وتعيد التذكير بتسريبات سابقة عن «طلب ساركوزي من (رئيس حكومة إسرائيل بنيامين) نتنياهو تجنّب ضرب القوات الفرنسية» العاملة في اليونيفيل من جهة أخرى.
ويرى البعض أن كوشنير أراد قبل خروجه «بيع أصدقائه في لبنان هدية إنقاذ الجيش اللبناني» وترك لغم أمام من سوف يخلفه إذا عادت الأمور واشتعلت.
وفي «خطوة تنظيف سمعة» مماثلة، ولكن تجاه الفلسطينيين هذه المرة، سربت الأوساط نفسها أخباراً مفادها بأن «اسرائيل غاضبة على كوشنير» بسبب رفع مستوى مفوضية فلسطين لدى فرنسا إلى بعثة، وإعطاء ممثلها هايل الفاهوم درجة سفير، بينما تشدد أوساط كوشنير على أنه يطالب منذ زمن بعيد بفتح أبواب غزة، وبالسماح بدخول وخروج البضائع، وأنه «وجد فكرة جديدة لدعم الفلسطينيين».
وبالطبع لا يغيب عن أي مراقب أن هذه التسريبات حملت عدداً من الإشارت، كما حدث في مسألة العديسة، التي كانت كفيلة بإثارة الحنق لدى ساركوزي، الذي سوف يظهر كأنه «ينسّق أو ينتظر موافقة الدولة العبرية» على كل مبادراته الدبلوماسية المتعلقة بالمنطقة. ويبدو أن محيط الإليزيه فهم هذه التسريبات على أنها «رسائل وداع».
ولا يستبعد البعض أن «يوجّه ساركوزي بعض السهام إلى وزيره» عند افتتاحه مؤتمر سفراء فرنسا في العالم في الخامس والعشرين من الشهر الحالي بانتظار التغيير الحكومي الموعود.