حَسَب حكام تركيا السابقين والحاليين حساباً لكل شيء، إلا لأمر واحد في خططهم لجعل تركيا قوة إقليمية عظمى عسكرياً وسياسياً واقتصادياً؛ الكوارث الطبيعية من النوع التي تمحو إمبراطوريات وتزيل مدناً وتواريخ عن الخريطة. صحيح أن أتاتورك تمكن من جعل أنقرة عاصمة «رسمية» لجمهوريته، لكنه لم يقدر على جعل العاصمة الجديدة «تسرق» السحر من إسطنبول، فبقيت رمز تركيا وعاصمتها الاقتصادية وقلبها النابض ومعلمها التاريخي ومقصد السيّاح... بقيت هي عاصمتها الفعلية حتى في السياسة، إذ إن «القسطنطينية» سابقاً لا تزال تزاحم أنقرة من ناحية استقبال الرؤساء الأجانب في «مطار أتاتورك الدولي». وإذا ما صدّقنا العالِم الفرنسي الشهير في الجغرافيا والجغرافيا السياسية، إيف لاكوست، وغيره في أنّ العاصمة هي دماغ الدولة، أيّ دولة كانت، نكون عندها قادرين على الإعراب عن التشاؤم الأكبر: تركيا مهدَّدة بخطر الموت.
تقع إسطنبول على خط الزلازل نفسه الذي تقع عليه مدينة إزميت المنكوبة عام 1999
ومن المعطيات العلمية التي تغذّي التشاؤم، أن إسطنبول عرفت في تاريخها 15 زلزالاً مدمِّراً، من دون حسبان الهزات الأرضية «الصغيرة»، وآخرها حصل في الثالث من الشهر الجاري وبلغت قوتها 4.4 درجات. هزات صغيرة وجدت من يرحّب بحصولها على اعتبار أنّ من شأنها تأخير موعد الزلزال المدمِّر، على حد تعبير مدير معهد قنديلي لدراسات ومراقبة الزلازل في جامعة بوغعزيشي في إسطنبول، مصطفى إرديك. إلا أنّ هذا التفاؤل أبطل مفعوله الأستاذ في كلية هندسة الجيوفيزياء في جامعة إسطنبول، أوغوز جند أوغلو، عندما أشار لصحيفة «توداي زمان» إلى أنه «يجدر التعاطي مع الهزة الأرضية الأخيرة على أنها جرس إنذار لزلزال كبير يجب الاستعداد لمواجهته».
ولا تنتهي معطيات التشاؤم عند هذا الحدّ. فإسطنبول تقع على خط الزلازل نفسه الذي تقع عليه مدينة كوشلي التي تعرّضت للزلزال الرهيب في عام 1999، الذي طبع ذاكرة الأتراك كما تاريخهم، بعدما أصبح هذا التاريخ أحد المفاصل التاريخية لتركيا الحديثة. في ذلك الحين، عند الثالثة من فجر 17 آب من ذلك العام، سجّل الزلزال 7.4 درجات على «ريختر»، وقتل 18 ألف مواطن، أي بنسبة 10 في المئة من سكان المدينة التي دُمّرَت بالكامل. وبمقارنة عدد سكان إسطنبول التي تبعد 70 كيلومتراً فقط عن إزميت، ستكون حصيلة الخسائر البشرية هائلة إذا مات 10 في المئة من الـ14 مليون شخص، إذا حصلت الكارثة المشؤومة.
تقرير للأمم المتحدة يضع إسطنبول في مقدمة لائحة المدن المعرّضة لزلزال مدمِّر
وهنا تقرأ عن الموضوع عبارات مرعبة، مثل ما يقوله أبرز الأساتذة الأتراك في علم الجيولوجيا في جامعة إسطنبول التقنية سيغال سنغور: «قد يقضي زلزال كبير على إسطنبول. قد تنهار الأبنية، ومعظم قاطنيها قد يُدفَنون تحتها. في معظم شوارع المدينة، يُرَجَّح أن تنفجر الأنابيب (النفطية) وتندلع الحرائق. سيحاول الناس الهرب وسيكون سيناريو كارثياً وبحت فوضى».
قصر طبكابي