هل تعدّ نفسك من الطبقة الوسطى؟ يُطرح هذا السؤال بخلفية التقييم الاجتماعي في استبيانات المسح، نظراً إلى أهمية المنظور الذاتي في تحديد الطبقة التي ينتمي إليها المرء؛ ويصح ذلك على وجه الخصوص في المجتمعات الصغيرة المنفتحة مثل المجتمع اللبناني. غير أن تحديد الانتماء إلى طبقة معينة يعود إلى معطيات علمية أساسها بسيط هو مستوى الدخل اليومي بحسب سعر الصرف القائم على القدرة الشرائية. وبناءً عليه، تُظهر البيانات الأخيرة أن الطبقة الوسطى الكونيّة تقلّصت خلال عام 2020، نتيجة تأثير وباء كوفيد-19، إلى 17% فقط من سكان الكوكب، مع اقتراب نسبة ذوي الدخل المنخفض والفقراء من الثلثين تقريباً.البيانات التي حلّلها ونشرها أخيراً مركز «بيو» البحثي للدراسات الإحصائية في الولايات المتّحدة، تُظهر أن عام الوباء كانت كلفته كبيرة على رحلة الصعود من هوّة الفقر وطبقة الدخل المنخفض نحو الطبقة الوسطى وبعدها طبقة الدخل المتوسط الأعلى وأخيراً طبقة الدخل المرتفع؛ وذلك بعدما كان العالم قد قطع شوطاً كبيراً في تحقيق التقدم على هذا الصعيد.


فخلال فترة العقد الماضية انعتق نحو نصف مليار إنسان من براثن الفقر لينضموا إلى صفوف الطبقى الوسطى الكونية، ومع تقلّص عدد الفقراء من أكثر من مليار نسمة إلى 691 مليوناً، زاد عدد الطبقة الوسطى بمعدل 54 مليون إنسان سنوياً إلى 1.34 مليار. وانسحب هذا الانتقال الإيجابي إلى فئات الدخل الأعلى حيث زادت بمعدل 15 مليون نسمة سنوياً إلى 576 مليوناً، لتصبح نسبتهم 7.5% من سكان العالم.
هذه المعطيات كانت عشية عام 2020 والمصاعب الاقتصادية والاجتماعية التي ولّدها وباء كوفيد-19 خلاله. ففي العام الماضي تقلّصت الطبقة الوسطى الكونية بنحو 54 مليوناً إلى 1.32 مليار، وزاد عدد ذوي الدخل المنخفض 21 مليوناً إلى 3.95 مليارات يمثّلون أكثر من نصف سكان الأرض. أما الفقراء فقد ارتفع عددهم بنحو 131 مليون نسمة إلى 803 ملايين نسمة يمثلون أكثر من 10% من سكان الكوكب.
وتماماً كما يتفاوت توزيع ثمار النمو في المجتمع الواحد بين مختلف الفئات والطبقات، يُرصد اختلاف كبير في نتائج الأقاليم على صعيد توزّع الدخل وحركة الانتقال الطبقي. ويُلاحظ أن تدهور الطبقة الوسطى كان الأسوأ في منطقة جنوب آسيا، حيث تراجع عددها 32 مليون نسمة مقارنة مع 19 مليون نسمة في منطقة شرق آسيا-المحيط الهادئ، و8 ملايين نسمة لكل من منطقتَي الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية-الكاريبي. أما البلدان المتقدّمة فقد سجّلت زيادة في عدد طبقتها الوسطى بسبب تأثير برامج التحفيز الاجتماعي التي أقرّتها حكومات تلك البلدان، على موازنات الأسر.
أما المثال الأبرز في بحث الديناميات الطبقية ومراجعتها بعد عام الوباء، فهو المجتمع الصيني. هناك سجّل الاقتصاد نمواً في ذلك العام مخالفاً النمط العالمي. لذا، رغم أن كوفيد-19 انطلق من الصين (بحسب أكثر الروايات استناداً إلى التقييم العلمي) تمكّن هذا البلد من احتواء الأزمة وتجنيب العالم تدهوراً أخطر في عدد الطبقة الوسطى، لكونه يضم ثلث الطبقة الوسطى الكونية.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره

على الجانب الآخر من المعادلة، يبرز بلد عانى الأمرّين في العام الماضي، نتيجة انفجار الأزمة الاقتصادية بالتوازي مع انتشار الوباء. ففي حالة لبنان، البلد الذي تعتدّ فيه الطبقة الوسطى بمرتبة اجتماعية معلنة ذاتياً، تدهورت مؤشرات العيش والقدرة الشرائية على نحو حادّ نتيجة تراجع سعر صرف العملة الوطنية. وباعتماد سعر صرف نظري عند 10 آلاف ليرة للدولار الواحد، تدهور الحد الأدنى للأجور من 450 دولاراً إلى 67.5 دولاراً شهرياً، أي ما يوازي 810 دولارات سنوياً، وهو المستوى نفسه تقريباً لخطّ الفقر العالمي، الذي يُحدد بدولارين يومياً.
ولوضع الأمور في سياقها، يُعرّف التحليل الطبقة الوسطى بمن يتقاضون بين 10 و20 دولاراً يومياً (وهو مستوى يبقى منخفضاً جداً ويُعادل خط الفقر الرسمي في الولايات المتّحدة مثلاً)، والطبقى الوسطى العليا بدخل بين 20 دولاراً و50 دولاراً، والدخل الأعلى بأكثر من من ذلك.
هذا ما يعيدنا إلى السؤال عن كيفية تحديد الطبقة الوسطى. فرغم أن المعيار الاقتصادي هو الأكثر اعتماداً للإجابة عليه - بمعنى كم يبلغ رصيدك المصرفي أو الاستثماري أو من الكاش - هناك معياران آخران يعالجهما العلماء في هذا السياق، الأول هو التحصيل العلمي والمرتبة الوظيفية والثاني هو المعيار الثقافي لناحية السلوك الاجتماعي وتحديد الذات. غير أن جميع تلك المعايير أضحت مشوّهة في لبنان، فحتى الرصيد المصرفي لم يُعتدّ به كمؤشر علمي لتحديد الطبقة.

* مصدر الرسوم البيانية: مركز بيو للأبحاث، آذار 2021

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا

تابع «رأس المال» على إنستاغرام