هناك قطاع رديف أو مشتقّ من القطاع المصرفي اسمه قطاع التأمين. سلوكهما متماثل، أي إنهما يسعيان للربح السهل والسريع. فالمصارف وظّفت ودائع الزبائن في سندات الدين السيادي، سواء في سندات الخزينة بالليرة أو بالدولار أم في شهادات الإيداع والودائع لدى مصرف لبنان، غير آبهة بمخاطر هذا التوظيف الذي كان يدرّ عليها أرباحاً سنوية طائلة من المال العام. كذلك فعلت شركات التأمين التي وظّفت 97% من أقساط التأمين للزبائن في حسابات مصرفية أو في سندات دين. بحسب الإحصاءات الرسمية، هناك نحو 50 شركة تأمين عاملة في لبنان أصدرت أكثر من 5.6 ملايين بوليصة تأمين تبلغ قيمة أقساطها السنوية 1.67 مليار دولار. تتوزّع هذه البوالص على خمسة أنواع: تأمين على الحياة، تأمين على المركبات، تأمينات طبية، تأمينات عامة وتأمينات مختلفة. الحصّة الأكبر من هذه البوالص مركّزة في التأمينات على الحياة التي تبلغ قيمتها 522 مليون دولار، تليها حصّة التأمينات على المركبات والآليات من بوليصة الزامية وأضرار مادية وتأمينات إضافية بقيمة إجمالية تبلغ 373 مليون دولار. أما حصّة التأمينات الطبية للأفراد والمجموعات، فتبلغ 685 مليون دولار، والتأمينات العامة التي تشمل المنازل والمعامل والورش والمنشآت وطوارئ العمل فتبلغ 153 مليون دولار، فيما تبلغ حصّة التأمينات المختلفة نحو 117 مليون دولار.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره

مقابل هذه المبالغ التي جمعتها الشركات من الزبائن، توظّف شركات التأمين نحو 2042 مليون دولار على النحو الآتي:
ــ 820 مليون دولار مجمّدة لدى المصارف في حسابات بالعملة الأجنبية.
ــ 358 مليون دولار مجمّدة لدى المصارف في حسابات بالليرة اللبنانية.
ــ 4.5 ملايين دولار إيداعات بعملات مختلفة.
ــ 15.9 مليون دولار في سندات خزينة بالليرة اللبنانية.
ــ 395 مليون دولار في سندات خزينة بالعملة الأجنبية (يوروبوندز).
ــ 132.6 مليون دولار في حسابات مصرفية جارية بالليرة.
ــ 306 ملايين دولار في حسابات مصرفية جارية بالدولار.
ــ 10 ملايين دولار في حسابات جارية بعملات مختلفة.
وتشير الإحصاءات إلى أن شركات التأمين حقّقت في عام 2016 أرباحاً صافية بعد دفع الضرائب بقيمة 140 مليون دولار (163 مليون دولار قبل الضريبة)، ثم ارتفعت هذه الأرباح إلى 174 مليون دولار في عام 2018 (200 مليون دولار قبل الضريبة).
ولدى هذه الشركات أكثر من 12 ألف موظّف تبلغ قيمة أجورهم المصرّح عنها للضمان الاجتماعي 15 مليار ليرة، واللافت أن 66% منهم يتقاضون أقلّ من 1.5 مليون ليرة شهرياً في مقابل 1.8% يتقاضون أكتر من 5 ملايين ليرة شهرياً، علماً بأن 21 موظّفاً بينهم يتقاضون أكثر من 10 ملايين ليرة شهرياً، علماً بأن الشركات تزعم أنها تدفع 225 مليون دولار نفقات إدارية.
أما أصول هذه الشركات فتبلغ 5 مليارات دولار، ورساميلها تبلغ 422.5 مليون دولار، ما يعني أن أرباحها السنوية توازي 41% من رساميلها، و8.5% من مجمل توظيفاتها.
اليوم، وفي ظل حالة الإفلاس غير المعلنة في القطاع المصرفي، ولا سيما بعد كلام وزير الاقتصاد منصور بطيش عن تبخّر أكثر من 40 مليار دولار من توظيفات المصارف في الدين السيادي، فإن أموال أقساط التأمين باتت في مهب التبخّر أيضاً، أو على الأقل قسماً مهماً منها، ما يرتّب خسائر ضخمة على شركات التأمين التي يفترض أن تخدم زبائنها وتدفع لهم قيمة حقوقهم في الاستشفاء والمدخرات في مجال التأمين على الحياة وسواها. في عام 2018 دفعت هذه الشركات نحو 957 مليون دولار لأصحاب البوالص، فهل هي قادرة على مواصلة تسديد قيمة مطالباتهم في ضوء الخسائر التي لحقت بالمبالغ الموظّفة في المصارف وبالدين السيادي؟ إذا أخذنا في الاعتبار أن على الشركات أن تطبّق معايير الـIFRS9، فعليها أن تخصّص مؤونات مقابل الخسائر، ما يرتّب عليها مبلغاً يفوق 500 مليون دولار.
كذلك فإن على شركات التأمين قبض الأقساط بالليرة اللبنانية في ظل سعر صرف مزدوج في السوق، ما يرفع نسبة المخاطر على تحصيل أموالها، فضلاً عن أن الزبائن بدأوا يسحبون قيمة بوالصهم التي تتضمن عمليات ادّخار إفساحاً في المجال لتحويلها إلى الدولار أو لضرورات معيشية.