احالت لجنة الادارة والعدل النيابية مشروع تعديلات على قانون تملك الاجانب الى اللجان النيابية المشتركة. هذا المشروع الذي استغرق نقاشه 5 سنوات كان مفروضاً أن يعالج كيفية احتساب نسب التملك المسموح بها لغير اللبنانيين، وأن يوحّد أنظمة تسجيل العقارات بين القضاة العقاريين وبين الدوائر العقارية، وأن يحدّد آليات تملّك الأجانب بواسطة الشركات المساهمة والتفرّغ عن الأسهم، وخصوصاً تلك المملوكة من شركات أوف شور أو من صناديق استثمار، أو من شركات موجودة في جزر خارج لبنان.كذلك كان مفروضاً أن يعالج تعديلات موضوع التملّك بواسطة وكالات أو عقود بيع واتفاقيات مسجّلة لدى كتّاب العدل، وأن يحدّد مصلحة لبنان من تملك الأجانب ومنعهم من المضاربة والتلاعب بالأسعار... غير أن التعديلات يمكن اختصارها بمنح المجالس البلدية صلاحية خفض نسب تملك الأجانب ضمن البلدة من حدّها الأقصى المحدّد بنسبة 10% إلى 3%، وتغريم المالكين الأجانب الذين خرقوا مهل البناء (خمس سنوات تجدّد لخمس سنوات إضافية) بنسبة 2.5% من قيمة الأرض.

فيما كان وزير المال علي حسن خليل يتحدّث أول من أمس، عن كشف عمليات «احتيال» نفّذها أجانب لتملّك مساحات من دون تراخيص في مجلس الوزراء، كانت لجنة الإدارة والعدل النيابية تقرّ مجموعة من التعديلات «المبهمة» و«المطّاطة» على قانون تملك الأجانب. فما أقرّ لا يؤدي إلى ردم أي من الحفر العملاقة الموجودة في قانون تملك الاجانب سواء تلك التي أشار إليها خليل أو تلك التي تستعملها مكاتب المحاماة والسماسرة لتمكين الأجانب من شراء عقارات في لبنان. كذلك، فإن تعديلات لجنة الإدارة والعدل، لم تنظر إلى موضوع تملك الأجانب من زاوية تأمين المصلحة العامة العليا، بل انقسمت مواقف الكتل النيابية بين مدافع عن تملك الخليجيين في لبنان، وبين رافض لأي تملك أجنبي بحجّة الدفاع عن وجود المسيحيين والبلدات المسيحية.
أدى النائب سمير الجسر
دور المدافع عن «فوائد» تملك الأجانب وخصوصاً الخليجيين

بقي السجال دائراً في هذه اللجنة لأكثر من 50 جلسة وفي النهاية خرجت التعديلات بتسوية سيئة، لا ترضي طرفي السجال أيضاً. بحسب المعلومات المتداولة، كان النائب سمير الجسر هو المسوّق الأساسي من طرف تيار المستقبل وحلفائه لـ«الفوائد» الاستثمارية الناتجة من تملك الأجانب في لبنان ولا سيما الخليجيين منهم. وفي المقابل، كان النائب نعمة الله أبي نصر هو اللاعب الأساسي بين المطالبين بضرورة إجراء تعديلات على قانون تملك الأجانب تحمي البلدات المسيحية من «الغزو» الخليجي الذي تتعرّض له. وأبي نصر يحمل الكثير في جعبته من الأدلة على وجود «الغزو» وليس آخرها «تلّة الصليب» التي اشتراها الأمير مقرن بن عبد العزيز بنحو 2.3 مليون دولار وأثارت استياء الكسروانيين بعدما نفّذت الصفقة بطرق اعتبروها «ملتوية».
وفي السياق نفسه، كانت هناك طروحات جذرية من نوع مختلف. فالنائبان الوليد سكرية وهاني قبيسي اقترحا منع تملّك الأجانب ومنحهم امتياز تأجيرهم عقارات لفترات طويلة نسبياً، إلا أن الطرح لم يلق صدى لدى الجسر وحلفائه بحجّة أنه «يخنق» التدفقات المالية من الخليجيين والتي تصبّ في القطاع العقاري.
وفي المحصّلة، جاءت نتيجة الجلسات هزيلة مقارنة بما هو مرجو من التعديلات. المشكلة الأساسية أن الجميع كان يقارب الموضوع على أساس سياسي. فالمضاربات التي ضاعفت أسعار العقارات عشرات المرات بين 2007 و2010، كان احد مصادرها الأساسية «الخليجيون» الذين أدخلوا القطاع في جولات من المضاربات لتحقيق الأرباح السهلة والسريعة.
انتهت الجلسات إلى «تسوية» أو «صفقة» تحافظ على مصالح المضاربين الخليجيين على حساب المصلحة العامّة (طبعاً، غير المتصلة بحجج الشوفينيين اللبنانيين). فالتعديلات الأساسية، ضيّقت قليلاً من هوامش تملك الأجانب وأضيف نص يشير إلى أن تملك الأجانب يجب ألا يتجاوز 3% من كل قضاء وبنسبة 10% كحد أقصى من كل بلدة وأن للمجالس البلدية الحرية في خفض هذه النسبة إلى 3%، وقد أبقت التعديلات على سقف يبلغ 10% لتملك الأجانبي في مدينة بيروت.
أبي نصر اعترض على التعديل لأن تجربة السلطات المحلية في الحكم تنبئ بأن المجالس البلدية ستبيع وتشتري في العقارات على هوى مصالحها، فيما كان الأجدر بالتعديلات أن تكون صارمة لجهة تحديد نسب التملك لا فتح مغارات جديدة.
غير أن المشكلة الأساسية في التعديلات، أنه في ظل وجود مناطق بكاملها غير ممسوحة، يبقى احتساب نسبة الـ3% أمراً متاحاً في كل لبنان ولكنه غير متاح أبداً على صعيد نطاق أي بلدة غير ممسوحة. كذلك، لم تعالج التعديلات الجديدة، الثغرات الحقيقية في قانون تملك الاجانب لجهة تعدّد الجهات المعنية بتسجيل العقارات، سواء في الدوائر العقارية أو لدى القضاة العقاريين أو لدى كتاب العدل. فالتصرّف في العقارات غير الممسوحة يبقى بيد القضاة العقاريين حيث «التجارب السابقة تشير إلى أن التغييرات ممكنة ومتاحة» على حد قول أحد المسؤولين المعنيين. ويؤكد هذا المسؤول أن القاضي العقاري لا يطلب نفي ملكية من الدوائر العقارية عندما يسجّل أي عقار، وبالتالي لا يمكنه التأكد من انطباق بنود قانون تملك الاجانب في الحالات الموجودة أمامه. وهذا يوحي بأن هناك نظامين لتسجيل العقارات في لبنان، الأول في الدوائر العقارية والثاني لدى القضاة العقاريين.
ومن البنود التي جرى تعديلها هي تلك المتصلة بمهلة البناء التي تمنح للأجنبي الذي تملك عقاراً تزيد مساحته عن 3000 متر مربع، إذ أن القانون الحالي يمنحه مهلة خمس سنوات لتشييد بناء على العقار المشترى، وهي مهلة تجدّد لخمس سنوات إضافية. لكن التعديلات فرضت على الأجنبي أن يدفع غرامة 2.5% من قيمة الأرض في حال تجاوز المهلة تحت طائلة عرضها للبيع في المزاد العلني. ويأتي هذا الاقتراح بعدما تبيّن أن هناك أكثر من 3000 عقار يملكها خليجيون في لبنان تجاوزت المهلة الممنوحة لها بسنوات عديدة من دون أن يقام عليها أي بناء، بل باتت أسعارها أعلى بكثير وهم في انتظار اللحظة المناسبة للبيع، فيما عمد عدد غير قليل منهم إلى بيع عقاراتهم في السنوات الثلاثة الماضية محققين أرباحاً طائلة من امتلاكها لفترة تزيد عن 10 سنوات.
كذلك هناك الكثير من العقارات التي بيعت لأجانب من خلال عقود بيع أو اتفاقيات ووكالات وهي ليست ملحوظة ضمن إحصاءات أمانات السجل العقاري. وهناك الكثير من العقارات التي يتصرف بها أجانب من خلال وكالات غير قابلة للعزل، أو عقارات أسست بها شركات عقارية يجرى التفرّغ عن أسهمها لأي كان مقابل الثمن المطلوب... وفي الواقع، إن ما أشار إليه خليل في مؤتمره الصحافي عن احتيال في تسجيل عقارات الأجانب، هو مشهد من مسلسل الاحتيالات الذي كان الأجدر بالقانون أن يضبطه ويضع قيوداً لمنع ارتكابات من هذا النوع مستقبلاً. فمن أجل أن يتلافى الأجانب رفع طلبات ترخيص بتملك الاجانب إلى مجلس الوزراء للعقارات التي تزيد مساحتها عن 3000 متر مربع، كما يلحظ القانون، جرت تجزئة العقارات إلى حصص تتوزّع على الأقارب والأصحاب والمستخدمين ويملكها فعلياً أجانب من دون «شوشرة».
واللافت أن بعض أعضاء لجنة الإدارة والعدل أسقطوا اقتراحاً بحصر عمليات تسجيل الأجانب في دائرة واحدة مركزية بدلاً من إبقائها لدى أمناء السجل العقاري في المناطق، كما هي الحال اليوم، وسقط اقتراح المعاملة بالمثل مع الخليجيين، وسقط اقتراح خفض سقف النسب الخاضعة للترخيص في مجلس الوزراء إلى 2000 متر مربع في المناطق وإلى 1000 متر مربع في بيروت.