في آخر رسالة له، وقبل ساعات من استشهاده، كان يجمع شتات كلام عن هجوم إسرائيلي على النازحين في رفح، وليس على المقاومين هناك، فيما صراخ المقتولين زادَ من غضبه على عالم عربي وإسلامي خذل المقاومة، إلا من بضعة في هذه الأرض.
أيمن أو أي اسم آخر له... كان واحداً من الشهود الذين قدّرت إسرائيل جيداً أنهم يجب أن يختفوا عن وجه الأرض. لعشر سنوات، كان رجلاً مجهولاً أمام غالبية الزملاء في الجريدة. ومرّ وقت طويل ولم نحكِ لأحد عن أثره المباشر. أشهد بأن أجهزة استخبارات عربية، بما فيها سلطة رام الله، وأن قوى سياسية، من بينها حلفاء وخصوم للمقاومة، وشخصيات من داخل قطاع غزة... كلّ هولاء سألوا عن ما يكتبه «مجهول الاسم». يريدون معرفته ومعرفة ما يمثّل، ومن يعطيه الأخبار. وحتى أقرب المقرّبين منه، ومن كانوا على بعد أمتار منه، لم يعرفوا عنه شيئاً.
فكرة أن نُبقي أيمن مجهولاً طوال الوقت، ليست نابعة من اعتبارات أمنية أو سياسية. بل كانت تعكس ضرورات تخصّه هو أولاً وأخيراً، وكانت «حيلة» ساعدته على الحضور بفعّالية كبرى، وسهّلت له الاجتهاد الحميد في كثير من المواضع. وأضافت لنا في «الأخبار» الكثير الكثير. بالأمس، في اجتماع «هيئة التحرير»، وعندما أبْلَغَنا الزملاء باستشهاده، ران صمت من لا يفهم ما الذي يحصل، وكيف سيكون نعينا له. وليس أكثر احتراماً لهذا الصنف من البشر، سوى حفظ ذاكرتهم المعلومة والمجهولة، لأن أيمن يبقى واحداً من الذين عاشوا واستشهدوا في سبيل من لا ينتظر منه شكوراً على هذه الأرض.
سلام عليه حيث وُلد، وحيث استُشهد، وحيث يبقى أثره حيّاً في كل حبّة من رمال غزة، لا يقدر غزاة على محوها.