قررت وزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن أول من أمس فتح أبواب المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أمام «المكتب الدولي لمكافحة المخدرات وإنفاذ القانون» التابع لوزارة الخارجية الأميركية، وذلك بعد أيام قليلة على زيارة الوزير مايك بومبيو للبنان، داعياً بوضوح الى «التصدي لجرائم حزب الله وإرهابه وتهديداته».فمن خلال إطلاقها برنامج «المساعدة على تطوير الإجراءات المعتمدة في السجون اللبنانية» الذي يموله «المكتب الدولي لمكافحة المخدرات»، سلّمت الوزيرة الحسن بأن تصنيف السجناء في لبنان هو اختصاص أميركي يستدعي مرجعية تدريب أميركية، وأن برنامج التدريب الذي يقيمه الأميركيون «لا يقل أهمية عما تنتهجه الدول الراقية في إدارة السجون». لكن يبدو أن الوزيرة الحسن لم تدقق باختصاص الشركة المكلفة بتدريب قوى الأمن. وما سنثبته في الآتي هو أن عملية تصنيف السجناء لم تُسلم الى شركة معروفة بمؤهلاتها العلمية في هذا المجال، وأن هناك أموراً عديدة تثير الشبهات في هذا الشأن الحساس أمنياً واستخبارياً واجتماعياً وقضائياً (رغم حضور المدعي العام لدى محكمة التمييز القاضي سمير حمود الحفل أول من أمس). ويبدو أن أحداً في المديرية العامة لقوى الأمن، وفي فرع «المعلومات» تحديداً، أو في مكتب الوزيرة، لم يكلف نفسه جمع معلومات دقيقة عن الجهة التي ستمولها وزارة الخارجية الأميركية لتدريب الضباط والرتباء.
ما هي «المساعدة» الأميركية المعروضة، ومن هي الجهة التي ستقوم بدعم قوى الأمن الداخلي في «تطوير الإجراءات المعتمدة في السجون اللبنانية»؟
المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان شرح أول من أمس أن الولايات المتحدة الأميركية «بادرت، كعادتها مشكورة، عبر مكتب INL في لبنان إلى تخصيص هبة قيّمة لتوفير برنامج تدريبي يهدف إلى مساعدة قوى الأمن الداخلي في توفير العمل الاحترافي داخل السجون. هذه الهبة التي بلغت قيمتها مليونين ونصف مليون دولار أميركي ولزمتها الولايات المتحدة الأميركية مباشرة لشركة RAI الأميركية Remote Aid International لتنفيذ هذا البرنامج».
يبدو أن الوزيرة الحسن لم تدقق باختصاص الشركة المكلفة بتدريب قوى الأمن


لدى البحث عن معلومات بشأن هذه الشركة، لم نجد لها أثراً كشركة تعمل في إطار تحسين أوضاع السجون وتصنيف السجناء وتدريب الضباط، بل ما عثرنا عليه هو أن شركة تحمل الاسم نفسه مقرها الرئيسي دبي وموقعها الإلكتروني الرسمي (https://rainternationalservices.com/ ). وتبين أن هذه الشركة «تقدم خدمات واسعة النطاق في الأسواق» من دون أي تحديد. ويضيف النص المنشور على الموقع تحت عنوان «الخدمات»: «نحن نأخذ أرضاً خالية ونبني فيها مدناً ونقدم الخدمات للمقيمين فيها. نحن نتيح لك ولزملائك العيش المريح في أماكن بعيدة، ونشغل الآليات والمنشآت والأدوات لنتركك تركز على عملك».
إن الموقع الإلكتروني الرسمي لهذه الشركة التي تحمل اسم الشركة نفسها التي سمّاها اللواء عثمان:
لا ترد فيه أي معلومات عن خدمات في إدارة السجون أو تصنيف السجناء أو المحاكمة العادلة أو حكم القانون أو حتى تدريب ضباط الشرطة؛
لا ترد فيه أي معلومات عن خدمات تدريب ضباط ورتباء، ولم تحصل الشركة على أي تنويه أو شهادة أو اعتراف بكفاءتها ومؤهلاتها العلمية للقيام بمهمات كهذه؛
لا يذكر أي خبرة عملية في مجال السجون أو الضابطة العدلية؛
لا يظهر لبنان على خريطة الأماكن التي تقدم الشركة خدمات فيها (https://rainternationalservices.com/locations/
معظم الدول التي تعمل فيها الشركة تقع في أفريقيا؛
معظم الخدمات التي تقدمها الشركة هي خدمات تجارية وصناعية؛
المديرة العامة لهذه الشركة ومالكة الحصة الأكبر فيها سيدة لبنانية بريطانية تدعى ثريا نارفلد.
فكيف إذاً يفسر اللواء عثمان أن شركة لا عنوان إلكترونياً رسمياً لها ولا أثر لها بين المؤسسات العالمية المؤهلة لتحسين إدارة السجون وتدريب العاملين فيها، أو شركة لا اختصاص لها في هذا الشأن «ستساعد كثيراً في تدريب الضباط والعناصر العاملين في السجون على القيام بعمل احترافي تجاه السجناء، ومن نواح عديدة، من شأنها أن تساهم في ضبط وضع السجون بشكل أفضل من خلال التدريبات العملية اللازمة على تقويم السجناء وتصنيفهم بشكل صحيح وطريقة التعامل معهم»؟ وهل أن عرض (Power Point) قدمه أول من أمس شخص يدعى «سين وولبريدج» ورد اسمه في خبر الوكالة الوطنية للإعلام على أنه «مدير شركة «RAI» كان كافياً لنيله موافقة المدير والوزيرة والسفيرة؟ وأوَليس مشروعاً السؤال هنا عما إذا كان هناك اتفاق مسبق بهذا الشأن لأسباب نجهلها؟
عثمان قال خلال الحفل: «نحن هنا اليوم لإطلاق هذه المبادرة رسمياً ولنؤكد مدى التزامنا تطبيق القانون والتقيد بمعاييره». لكن ألا تفرض المعايير القانونية على القيّمين على مؤسسات الدولة التدقيق بالجهات التي كلفتها السفارة الأميركية (أو أي سفارة أجنبية أخرى) تدريب ضباط ورتباء وعناصر قوى الأمن في لبنان؟ ألا يقتضي ذلك أبسط الحرص على السيادة الوطنية وحسن عمل المرفق العام؟

أصول تصنيف السجناء وشروطه
إن عملية تصنيف بسيطة للسجناء قائمة أصلاً في نصّ مرسوم تنظيم السجون (المرسوم 14310/49)، لكنها لا تطبق حالياً بحجة الاكتظاظ و«لمّ الشمل»، وبسبب تدخلات في عمل إدارة السجون لجمع بعض السجناء في غرفة واحدة أو طبقة واحدة أو سجن محدد. فالمرسوم الذي يشكل المرجع القانوني الأول لإدارة السجون حالياً يصنف السجناء بين محكومين وموقوفين، أحداثاً وراشدين، ذكوراً وإناثاً. صحيح أن هذا التصنيف غير كاف، ولا بد من فصل السجناء بحسب خصوصياتهم الجنائية والاجتماعية والسلوكية والنفسية، لكن هذه المهمة تستدعي شبكة معلومات متطوّرة ودقيقة تؤمن معلومات مفصّلة وصحيحة عن كل سجين وعن كل سجن وقدرة استيعابه بحسب شروط السلامة والصحة والأمن. أضف الى ذلك إن وضع معايير لتصنيف السجناء يستدعي تشكيل لجنة وطنية تضم قضاة وضباط أمن متخصصين في أمن السجون، وأطباء، وخبراء في إدارة السجون، لا أن يستعان بمعايير أجنبية لا علاقة لها بالواقع المحلي. كما أن ذلك يقتضي الأخذ بالخصوصيات الثقافية والاجتماعية، مع الأخذ بعين الاعتبار المعرفة العميقة بعلاقة المجتمع بنظام العدالة الجنائية القائم في لبنان.

مزيد من الاستعانة بالخارجية الأميركية
اللواء عثمان تابع خطابه أول من أمس، قائلاً «نحن في صدد تلقي هبة جديدة قدمتها الولايات المتحدة الأميركية لتنفيذ مشروع تحت مسمى EP2 (برنامج احتراف الشرطة الموسع) بكلفة 9 ملايين دولار أميركي، تشتمل على إنشاء مبان ومعدات للتدريب مع تطوير لمناهج التعليم في معهد قوى الأمن الداخلي، بالإضافة إلى تدريب عناصر من قوى الأمن الداخلي وتأهيلهم ليصبحوا مدربين فاعلين في التقنيات الشرطية المختلفة ضمن خطة تستمر لمدة أربع سنوات».



تراجع حزب الله من خلال تدريب الضباط؟
من خلال مراجعة بسيطة لعمل «المكتب الدولي لمكافحة المخدرات» التابع لوزارة الخارجية الأميركية، يتبين أن أحد توجهاته ترتكز على تراجع من تصنفهم واشنطن إرهابيين، حيث يرد الآتي في فقرة عنوانها «التدريب والمنشآت»: «تمكنت قوى الأمن من توسيع بقعة عملياتها في لبنان لتشمل مناطق كانت تخضع للسيطرة الحصرية لحزب الله». وفي فقرة بعنوان «إنجازات البرنامج»، ورد الآتي: «تمكنت قوى الأمن من توسيع بقعة عملياتها في مناطق يسيطر عليها حزب الله في جنوب بيروت وسهل البقاع».


قوى الأمن: «أقرب شركاء أميركا»
يبدو أن السفيرة الأميركية في لبنان إليزابيت ريتشارد بعيدة كل البعد عن واقع المجتمع اللبناني، حيث إنها أعلنت أول من أمس أن «قوى الأمن الداخلي من أقرب شركائنا في المنطقة» وذلك بفضل تقديم تدريب «الآلاف من ضباطكم والمعدات والدعم بقيمة 200 مليون دولار». وتتجاهل السفيرة أن الآلاف من ضباط ورتباء وعناصر قوى الأمن الداخلي حريصون على تماسك مؤسستهم وتماسك اللبنانيين من مختلف الأطياف والتوجهات، وأن التحريض الأميركي ضد فئة لا يستهان بها من اللبنانيين (حزب الله) لن يلقى آذاناً صاغية.