كما في كل سعي أميركي لتقويض السلطة في بلد ما، تدرّجت خطوات واشنطن المرتبطة بفنزويلا وفق سلّم التحرّكات المعمول به في كتيّب «إسقاط الأنظمة المعادية أو غير الخاضعة للنفوذ الأميركي». بدأت الجهود الأميركية تتمظهر من خلال العمل على تسليم دفّة البلاد لخوان غوايدو، عن طريق العقوبات النفطية، والمناورات الدبلوماسية، والضغوط عبر المؤسسات الدولية، والخطاب الحاد الذي وصل إلى حدّ التهديد باستخدام القوة العسكرية. ولكن للحديث عن التدخل العسكري تتمّة، تلفّظت بها ألسن المراقبين وعدد من المسؤولين، بعيداً عن سياقات القواعد والمعايير الأميركية المعتمدة، وبناءً على موجبات وتفاصيل وربما موانع ارتأى عدد من المحلّلين الالتفات إليها، قبل تحوّل التهديد إلى حقيقة، لينفي بعضها إمكانية تبلوره حتى.ترامب طالما أبدى تشدداً تجاه فنزويلا، لكن مع ذلك يبقى من الصعب معرفة مدى جدية ادّعاءاته. بالنسبة إلى البعض، لن تكون الحرب الأحادية التي يهدّد بالقيام بها محتملة، خصوصاً إذا ما أُخذ في الاعتبار أن إدارته لا تملك الأساس القانوني للجوء إلى القوة، من دون ترخيص مسبق من الكونغرس. كما يبدو من غير المحتمل أن يمنح الكونغرس الحالي ترخيصاً لنشر قوات أميركية في فنزويلا، لا سيما أن استطلاعات الرأي أبدت معارضة لهذه الخطوة.
مع ذلك، فتحت تهديداته الباب على نقاش من نوع آخر مرتبط بمسؤولية الكونغرس أمام الدستور، وتجاهله لمهامه برفضه استبدال ترخيص قديم لاستخدام القوة العسكرية، كان قد جرى تمريره في عام 2001، من أجل ملاحقة منفذي هجمات 11 أيلول، وترخيص آخر جرى تمريره في عام 2002 لاجتياح العراق. هذان الترخيصان لا يزالان موجودان، بعد أكثر من 15 عاماً، ويُستخدمان لتبرير حروب بلا نهاية، من دون أن يجري النقاش في شأن الأهداف منها. لهذا السبب، يعكف عدد من المشرّعين منذ فترة على تمرير مشاريع قوانين لتراخيص جديدة يجري بموجبها تعديل الترخيص الممنوح، ويُمنح على أساسها الكونغرس الفرصة لمناقشة أي موافقة لاستخدام القوة العسكرية.
بناءً عليه، تتخذ «مخاطر» التدخل العسكري في فنزويلا حيّزاً كبيراً في نقاشات أخرى لجأ إليها عدد من الخبراء، الذين يرون أن خطوة مماثلة لن تكون حكيمة، لأسباب عديدة. بحسب مجلّة «ذي إيكونوميست» البريطانية، فإن «غزواً صادماً ومرعباً على نطاق واسع، يتطلّب جهداً لوجستياً وتشغيلياً هائلاً»، على اعتبار أن «فنزويلا بلد جبلي، ضعف حجم العراق، فيه مدن كبيرة». هذا فضلاً عن أن «الأهداف الموضوعة ــ أي اعتقال مادورو، وتأليف حكومة جديدة، وتنظيم انتخابات وإدخال المساعدات ــ ستواجه مخاطر جمّة، وستتطلّب أعداداً كبيرة من الجنود في الميدان».
«الجيش الفنزويلي سيتفتّت بسرعة»، يقول إيفان إليس من «الكلية العسكرية الحربية الأميركية»، لـ«إيكونوميست». ولكنه يضيف أن «ذلك سيؤدي إلى مشكلة أخرى، إذ إن الحكومة الجديدة ستحتاج إلى عدد الجنود ذاته من أجل الحفاظ على النظام». لا تنتهي التحذيرات هنا، فقد لفت البعض إلى أن «المشاكل قد تطال كولومبيا، خصوصاً إذا ما شارك العديد من الدول في العملية العسكرية». وبحسب سينتيا أرنسون من مركز «ويلسون»، «لا يوجد حلّ عسكري لن يؤدي إلى خلق وضع محتمل لحرب إقليمية طويلة».
إذاً، في حال كان التدخّل الواسع إشكالياً، ماذا عن التدخل الصغير؟ تشرح «ذي إيكونوميست» أن «أي تدخل لن يكون مباشراً سيعني تسليح المجموعات المعادية لمادورو». وبما أن ذكريات «الكونترا» في نيكاراغوا قد تسحق هذا الإغراء، «يمكن أن يقتصر الأمر على تسليم المساعدات الإنسانية جوياً، أو إنشاء مناطق آمنة على الحدود»، وفق المجلة ذاتها. ولكن حتى هذا الأمر قد يتطلّب قوة كبيرة، بما فيها تدمير الدفاعات الجوية الفنزويلية والطائرات الحربية. من هنا، تنقل المجلة عن مسؤولة في وزارة الدفاع الأميركية قولها: «يمكنني تبديد النظرية القائلة بوجود خيار عسكري لفنزويلا»، نافية أن «يكون قد طُلب من موظفي الوزارة رسم خطط لتحرّك كهذا »، من دون أن تدحض فكرة إمكانية تغيّر هذا الموقف «إذا ما حافظ مادورو على مكانته لأشهر».
لذا، يرى عدد من المراقبين أن تهديدات ترامب بالقيام بعمل عسكري في فنزويلا، قد تقتصر على «النطاق النظري والصوري» في الوقت الحالي، انطلاقاً من اعتبارات قد يكون من السهل الركون إليها من وجهة نظره، خصوصاً إذا ما ارتبط الأمر بمقوّمات داخلية محلية. وقد تكون رحلة كلّ من الرئيس الأميركي ونائبه مايك بنس، إلى ولاية فلوريدا، دليلاً على ذلك، في وقت يسعى فيه ترامب إلى زيادة حصّته من أصوات الناخبين اللاتين في إحدى أكبر الولايات المتأرجحة. وهنا، تجدر الإشارة إلى أن موقفه القاسي ضدّ مادورو أمّن له شعبية كبيرة في فلوريدا بين الكوبيين والفنزويليين، والذين يصل عددهم إلى حوالى مليون ونصف مليون من إجمالي 21 مليوناً موجودين في الولاية. كذلك، تناسب هذا الموقف مع المجتمع الكولومبي الموجود هناك، والذي يحظى بدور متنامٍ في سياسة الولاية.
من جهة أخرى، يشير البعض إلى حاجة ترامب إلى تشتيت الانتباه عن إجراءات المساءلة التي يخضع لها في مجلس النواب، وهو ما ذكره الناشط في مجال حقوق الإنسان أوسكار غارديولا ريفييرا، في مقال في صحيفة «ذي إندبندنت» البريطانية، لافتاً في الوقت ذاته إلى أنها «مسألة وقت فقط قبل أن يلجأ الرئيس وحلفاؤه اليمينيون المتطرفون في أميركا الجنوبية إلى خيارات أكثر قوة ضد رئاسة نيكولاس مادورو».


أبرامز: لن نستخدم القوة لإدخال المساعدات
أعلن الممثل الخاص للرئيس دونالد ترامب إلى فنزويلا، إليوت أبرامز، أمس، أن الولايات المتحدة لن تستخدم القوة لإدخال المساعدات الإنسانية إلى فنزويلا. وقال أبرامز للصحافيين إن «الحكومة الأميركية قالت إننا لن نستخدم القوة لتسليم هذه المساعدات، والحكومة الكولومبية قالت الشيء نفسه. لهذا نحن نتفق بوضوح مع هذا الرأي، ولن نشارك في أي أعمال تتعارض معه».
كلام أبرامز جاء غداة تأكيد وزارة الخارجية الروسية أن «الولايات المتحدة لا تزال تخطط لتغيير الحكومة في فنزويلا»، في وقت حذر فيه وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، من «المضي في الطريق القديم المدمّر نفسه». وفي مؤتمره الصحافي السنوي على هامش جلسة في البرلمان، قال يي إن «الشؤون الداخلية لكل بلد يحددها شعبه. التدخلات الخارجية والعقوبات ستفاقم فقط الموقف المتوتر، وستطلق العنان لقانون الغاب».
وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، تحدثت عن «خطة احتياطية» أميركية في شأن فنزويلا، تقوم على «إعداد جماعات مسلحة غير قانونية، ونقلها إلى فنزويلا من أجل القيام بأعمال تخريبية، ومن ثم إنشاء بؤر للمقاومة».
(رويترز، أ ف ب)