في أقاصي جبل الشيخ المنسيّ، تستعد بلدة شبعا ذات الشوارع الضيقة لخوض الاستحقاق البلدي صباح غد، بصيغة لم تعهدها منذ عودة الانتخابات البلدية إلى قرى الشريط الحدودي في 2001. هو مشهد عام في الانتخابات البلدية اللبنانية، يظهر بوضوح أكثر في شبعا: انكفاء الأحزاب عن اللوائح المتنافسة وتقديم الدعم في الخفاء، لمصلحة عودة الأعراف العائلية، القديمة والرجعية، لرسم مشهد التنافس على المجالس البلدية والاختيارية.


هذه المرّة، لم تحمل النائبة بهية الحريري همّ شبعا فتسخّر وقتها للمعركة الانتخابية البلدية في عاصمة العرقوب، ولم يتعب ابنها الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري من التجوال في شبعا والعمل على دعم اللوائح الانتخابية وتركيبها تحت عنوان «الدفاع عن شبعا ضد خطر حزب الله». لا يكاد تيار المستقبل «يُخَلِّص» في صيدا، فلا وقت للبلدات المهمّشة في الأطراف، ولا عنوان سياسياً يخوض التيار المتعب المعارك البلدية تحته، فانكفأ المستقبليون بعيداً جدّاً عن شبعا. وبدل تشكيل اللوائح ودعمها ودفع الأموال ودفع بدلات إحضار المغتربين بالطائرات قبل أيام من الاقتراع، اكتفى التيار بالوقوف موقف المتفرّج، وبيع الدعم المعنوي تحت ستار «ترك الحرية للعائلات» للائحتين تتنافسان في البلدة. الأولى، باسم «الوفاء والكرامة» على رأسها الرئيس الحالي محمد صعب، والثانية باسم «شبعا للكلّ»، ومن أبرز وجوهها المتموّل محمد فرحات والعميد المتقاعد عدنان الخطيب، وأبرز مسؤولي الجماعة الإسلامية في العرقوب صافي ناصيف (نائب الرئيس صعب في البلدية الحالية). وفي وقت شكّل فيه صعب لائحته المقفلة من 18 عضواً قبل أسابيع، واستعد للمعركة، كانت اللائحة المقابلة لا تزال «لوائح» موزّعة بين ناصيف وفرحات والخطيب، الذين اتفقوا قبل أيام على توحيد جهودهم لمنافسة لائحة صعب.

في السنوات الماضية، عرفت شبعا أكثر من مجلس بلدي، وخيضت المعارك جميعها تحت عنوان سياسي منذ 2001، وتبدّلت القوى السياسية الداعمة للوائح، لكن غالبية الوجوه تكرّرت. وفي مجلسي 2001 و 2004، كان الفوز حليفاً للوائح المدعومة من القوى التي صارت تُعرَف لاحقاً بقوى 8 آذار مع الرئيس عمر الزهيري. لكن في مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، استطاع تيار المستقبل والجماعة الإسلامية إيصال اللوئح المدعومة منهما، في معارك شرسة مع اللوائح المنافسة.



لائحتان مكتملتان تتواجهان في شبعا على أصوات الساكنين والمغتربين!




نفي الطابع الحزبي عن المعركة تتولّاه وجوه اللائحتين، اللتين تتنافسان على كسب نحو 5500 مقترع من أصل 13600 ناخب بحسب لوائح الشطب لعام 2016. ويقول صعب لـ«الأخبار»، إن «المعركة معركة عائلية بامتياز، وفي لائحتنا لا وجود لوجوه حزبية نافرة، هناك مرشّحون لديهم توجّهات سياسية، لكن لا التزام سياسياً». ولا ينفي صعب أنه أسهم في دفع بدلات ركاب طائرتين من «الشباعنة» المغتربين، حتى يتمكنوا من الاقتراع وزيارة بلدتهم. ويبدو الأخير واثقاً من الفوز بفارق كبير من الأرقام، «على الأقل 500 صوت». أمّا ناصيف، المرشّح على لائحة «شبعا للكلّ»، التي لم تحسم اسمي الرئيس ونائبه في حال فوزها، فيؤكّد بدوره أن «المعركة عائلية ولا تدخل من قبل القوى السياسية فيها. هناك حزبيون نعم، وهناك دعم من الجماعة الإسلامية وجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية لنا، ومعنا أحد المحازبين من الحزب السوري القومي الاجتماعي، لكن لا دعم حزبياً واضح». ولا يُنكر ناصيف أن فرحات دفع تكاليف تذاكر سفر لناخبين مغتربين.

والحياد في شبعا ليس حكراً على تيار المستقبل، بل تؤكّد مصادر الحزب القومي أن «الحزب على مسافة واحدة من اللائحتين»، فيما يتمسّك النائب قاسم هاشم بردّه على سؤال «الأخبار» بأنه «على الحياد ومسافة واحدة من اللائحتين»، علماً بأن جزءاً كبيراً من عائلة هاشم يدعم لائحة صعب.

غير أن انكفاء الطابع الحزبي عن المعركة، الذي يبدو أنه مطلب للأهالي بعد فشل الأحزاب عموماً في تقديم نماذج بلدية جيّدة في المناطق عامةً، وفي قرى العرقوب خاصة، لم يكن دافعاً لتطوّر العمل البلدي وآلية الترشّح وكيفية انتقاء المرشّحين. بعد 100 عام على خروج الاحتلال العثماني من الشرق، عادت شبعا إلى لعبة بلدية عل مقياس التوزيع «الرباعي» لعائلات البلدة، الذي حاكه العثمانيون في القرون الغابرة! وعاد عرف التحالفات بين «هاشم» و«عسّاف» وبين «برغش» و«زليخا» وهي تجمّعات عائلية أنتجها الاحتلال العثماني، ليحكم انتخابات أكبر بلدة في العرقوب، بعد أن كان قد انكسر هذا العرف للمرّة الأولى في انتخابات عام 1963!

أمّا في السياسة والشائعات، فتبدو «تهمة» الانتماء إلى «سرايا المقاومة»، شمّاعة يعلّق عليها الخصوم لإقناع الناخبين بشرور اللائحة المقابلة، علماً بأن التنظيم على ما يؤكّد أكثر من مصدر فيه لـ«الأخبار» «لا يتدخل لا من قريب ولا من بعيد في الانتخابات البلدية». مسألة أخرى، يجري الحديث عنها في العرقوب، هي الاندفاعة التي تسجّلها الجماعة الإسلامية في هذه الدورة الانتخابية، إمّا بمرشّحيها المباشرين وإما بدعم مرشّحين في الخفاء. فهل تغبّ الجماعة في العرقوب من صحن تيار المستقبل الذي يضعف يوماً بعد يوم، كما غبّت في إقليم الخرّوب؟




الخلوات: إمّا الوفاق أو تأجيل الانتخابات


على غرار حاصبيا وعين قنيا، لم يعرف التوافق بين الحزب الديموقراطي اللبناني والحزب التقدمي الاشتراكي طريقه إلى التطبيق في بلدة الخلوات، التي كانت جزءاً من تفاهم الأرسلانيين والجنبلاطيين في منطقة حاصبيا، إلى جانب عين قنيا وشويا وحاصبيا والفرديس. وزاد الطين بلّة في البلدة، ارتفاع عدد أعضاء المجلس البلدي من 9 إلى 12، في ظلّ وجود أكثر من 20 مرشّحاً، انسحب منهم اثنان حتى الآن تحت ضغوط دعاة الوفاق. ويظهر اسم حسين أبو إبراهيم كأبرز الأسماء المرشّحة على اللائحة القريبة من الديموقراطي، فيما يبرز اسم فاضل أبو إبراهيم كأحد أقوى مرشحي الاشتراكي، في لائحتين غير مكتملتين من 9 أعضاء في كلّ منهما. وبالإضافة إلى المعركة البلدية، يحتدم التنافس على مقعدي المختار، بعد استحداث مقعد جديد، بوجود ثلاثة مرشّحين، أبرزهم الديموقراطي صافي عامر والاشتراكي أمين أبو سعد. وحتى الآن، لا يزال الوصول إلى التوافق بعيداً، مع إصرار الطرفين على عدم الانسحاب، وإصرار الوزير وائل أبو فاعور ووالده وهبة أبو فاعور والنائب طلال أرسلان ومجموعة من الفاعليات على عدم الوصول إلى يوم الانتخاب بهذا الانقسام الحاد، الذي يهدّد بإشكالات أمنية وانقسامات عمودية، في بلدة تحكمها العصبيات العائلية والحزبية. ويرجّح أكثر من مصدر في لجنة التفاوض في الفريقين، بأنه لا خيار في البلدة سوى الوفاق أو إلغاء الانتخابات. وعليه، فإن القوى السياسية قد تطلب من وزارة الداخلية إلغاء الانتخابات في البلدة، لحين الوصول إلى حلول تؤمّن انتخاب مجلس بلدي فاعل، يضمن الاستقرار بين الأهالي وتحقيق دور الإدارة المحلية في الإنماء المطلوب.




الكفير: القبيلة تقصي الكفاءات


تفعل الانتخابات البلدية فعلها في بلدات وقرى حاصبيا، مع اشتداد العصبيات العائلية بما يشبه العصب القبلي والعشائري، في ظاهرة قديمة ــــ جديدة، تترك آثارها السلبية إلى ما بعد الانتخابات البلدية، وخصوصاً في ظلّ غياب التنافس السياسي والإنمائي. وإذا كانت الكفير لم تنخرها العصبيات الطائفية بين أهلها الدروز والمسيحيين، كما في قرى أخرى في القضاء كبلدة إبل السّقي، إلّا أن البلدة التي تضمّ عدداً كبيراً من المتعلمين في مختلف الاختصاصات، ابتليت باشتداد التأثير العائلي في اختيار مرشحي الأعضاء البلدية، على حساب الكفاءة. فقبل أسابيع، جرت محاولات لتشكيل لائحة من أصحاب الاختصاص، بعيداً عن المعيار العائلي، وطرح اسم العقيد المتقاعد اسماعيل حمدان، وهو اسم مقبول من غالبية الأهالي لتولّي منصب الرئاسة. إلّا أن العائلات الدرزية والمسيحية، تمسّكت بأسماء مرشّحيها، فما كان من حمدان إلّا الاعتذار. واليوم، تتنافس في البلدة لائحتان، سياسياً تدور كلاهما في فلك الحزب التقدمي الاشتراكي. الأولى، من 10 أعضاء يرأسها صالح نوفل، وهو مسؤول وحدة الحزب السابق في البلدة، وفي صفوفها 5 مرشحين دروز وخمسة مرشحين مسيحيين، فيما يرأس اللائحة الثانية المسؤول الحالي لوحدة الاشتراكي في البلدة اسماعيل صقر، وتضمّ لائحته 6 مسيحيين و6 دروز.