لم يكد النائب العام المالي علي ابراهيم، يصدر قراره بوقف الدعايات التي تروّج لها شركة «العربية للتسليف» عن منح الزبائن «قروضا بـ 5 دقايق، مقابل رهن»، حتى بدأ المتضررون بتقديم شكاوى عن احتيال وغشّ يمارسه هذا الكونتوار المالي. لم تفصح المصادر القضائية عن عدد الشكاوى المقدّمة حتى الآن، لكنها تشير إلى أن تحقيقات ابراهيم انطلقت وهي ستتوسّع خلال الأيام المقبلة، كما توسّعت سابقا بشأن «بيت المال للتسليف المالي» في الحدث، و«MFD» في جبل الديب، و«كونتوار المتن المركزي للتسليف» أيضاً، وسواها.في الواقع، تنتشر كونتوارات التسليف كالفطر في لبنان. فهي لا تخضع لمبدأ الترخيص المسبق من مصرف لبنان على غرار المؤسسات المالية الاخرى، بل تعطي المصرف علما وخبرا بوجودها، وبالتالي لا تخضع لرقابة لجنة الرقابة على المصارف ولا لشروط مزاولة العمليات المالية والصيرفة. وبحسب الاحصاءات المستقاة من مصادر مصرف لبنان، كان في لبنان اكثر من 500 كونتوار تسليف، الا ان اقل من 60 كونتوارا فقط استجابت للتعميم الاساسي الصادر عن مصرف لبنان في 12 شباط 2015، الذي اعطى مهلة حتى نهاية شهر آذار ٢٠١٥، لكل الاشخاص الخاضعين لأحكام المادتين ١٨٣ و ١٨٤ من قانون النقد والتسليف (كونتوارات التسليف)، لتزويد مصرف لبنان بالمعلومات عن الكونتوار وعناوينه وعملياته... والا يعتبر العلم والخبر الصادر عن مصرف لبنان بحكم الملغى ويحظر على المخالف القيام بعمليات التسليف تحت طائلة تطبيق احكام المادة ٢٠٠ من قانون النقد والتسليف.
تقوم هذه الكونتوارات بتسليف الزبائن مبالغ مالية مقابل فوائد تكون باهظة جداً، تصل احيانا إلى 30% شهرياً، وفي المقابل يأخذ الكونتوار المالي ضمانات قد تكون مجوهرات أو عقارات أو أي نوع من المقتنيات الثمينة، وغالبا يُجبر الزبون على تنظيم وكالة غير قابلة للعزل تسمح للكونتوار بالتصرف بالرهن، وهو ما يفتح مجالا واسعا للاحتيال والاستحواذ على الرهون وجني ارباح طائلة منها. وبحسب مصادر مطلعة، تعتمد هذه الكونتوارات معادلة تقضي بمنح الزبون قرضا لا يتجاوز 60% من قيمة الرهن. على اي حال، يقوم عمل هذه الكونتوارات على استغلال حاجة داهمة للزبون على غرار المرابين المعروفين، ولا سيما اولئك الذين لا يمتلكون الوقت الكافي للحصول على القرض المصرفي، أو أنهم لم يستطيعوا الحصول عليه بسبب عدم إيجاد كفيل، أو لأسباب متصلة بعدم جدارتهم المالية او لأنهم محظورون لدى المصارف بسبب التقصير في سداد قروضهم السابقة. غالبية زبائن الكونتوارات هم مزارعون أو موظفون غير مصرّح عنهم للضمان الاجتماعي أو فقراء الحال أو طرأت عليهم مصيبة تتطلب سيولة كبيرة غير متوافرة لديهم... هكذا تنشأ العلاقة بين الكونتوار والزبائن. طبعاً يمكن تعميم صفة الاستغلال على كل الكونتوارات من أجل تحصيل فوائد كبيرة، إلا انه لا يمكن تعميم الغشّ والاحتيال على الجميع، لكن على مرّ السنوات ظهرت العديد من قضايا الغشّ والاحتيال التي قامت بها الكونتوارات المالية. من بين هذه القضايا، هناك كونتوارات فرضت على الزبائن توقيع وكالات غير قابلة للعزل تختص بالملكية العقارية المرهونة، وبعضها فرض تنظيم عقود بيع ممسوحة ليكتشف الزبائن لاحقاً أن صاحب الكونتوار نقل الملكية رغم سدادهم المبالغ المتوحبة عليهم ثم بدأ يطالبهم بمبالغ أكبر!
لجنة الرقابة على المصارف نبهت الى مخالفات الشركة منذ تشرين الثاني

غالبية قضايا الغشّ والاحتيال التي مارستها الكونتوارات المالية ظلّت مغمورة ولم تخرج إلى العلن، خلافاً للشهرة التي سجّلتها قضية «العربية للتسليف». هذه الأخيرة، باتت معروفة بفعل الحملة الدعائية الهائلة التي قامت بها على مدى الأشهر الماضية. كانت تروّج في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة وعلى لوحات الإعلانات المنتشرة على طرقات لبنان الرئيسية. الحملة كانت واضحة وهي تشير إلى أنه بإمكان أي شخص أن يحصل على قرض مالي خلال 5 دقائق مقابل تقديم ضمانة هي عبارة عن رهن. يشي الإعلان بأن العقار هو الرهن، لكن بإمكان الزبون أن يقدّم أي أصول أخرى يملكها كضمانة لسداد الرهن.
ففي مطلع تشرين الثاني الماضي وجّهت لجنة الرقابة على المصارف كتابا الى حاكم مصرف لبنان تلفت نظره فيه الى حملة الشركة الدعائية. وجاء في الكتاب ان مضمون الدعاية يتنافى مع الممارسات الفضلى وشروط التسليف واصول اجراء العمليات المصرفية وشروط ان يكون الاعلان واضحا وشاملا وغير مضلل... وبالتالي يتناقض مع احكام تعميمي مصرف لبنان الرقم 124 (الذي يتعلق بشفافية وأصول وشروط التسليف» و134 (الذي يتعلق بأصول إجراء العمليات المصرفية والمالية مع العملاء) وتعميم لجنة الرقابة على المصارف الرقم 281.
في اواخر كانون الاول الماضي، احال مصرف لبنان الكتاب الى النيابة العامة المالية للتحقيق باعمال الشركة، ولا سيما ان مصرف لبنان تلقى اكثر من شكوى بهذا الخصوص، بحسب ما تفيد المصادر. استند النائب العام المالي الى هذا الكتاب ليطلب من وزارة الإعلام إبلاغ وسائل الإعلام وقف بثّ الإعلان المشكو منه، لكن لم يبدأ تنفيذ القرار بسبب العطلة التي منعت وزارة الإعلام من التعميم على وسائل الإعلام بضرورة وقف بث الإعلان، ولهذا السبب استمرّ الغشّ خلال أيام العطلة حتى ظهر الاثنين الماضي.
تقول مصادر مطلعة، إن لجنة الرقابة على المصارف نبهت الى مخالفات الشركة منذ تشرين الثاني، الا ان أكثر من قضية تتعلق بعمليات غشّ تقوم بها هذه الكونتوارات ظهرت خلال الشهر الماضي، وجعلت العيون مفتوحة عليها، وهو الأمر الذي حفّز على احالة الملف الى القضاء. وقد ذكر كتاب مصرف لبنان الذي تلقاه ابراهيم، أنه لا يمكن أي شركة أن تجري عملية تسليف خلال 5 دقائق، وأن هذا الأمر من أنواع الغشّ الأكثر وضوحاً.
بحسب المعلومات، تعمل شركة «العربية للتسليف» بموجب علم وخبر منذ عام 2006، وكان اسمها الشركة "اللبنانية السعودية للتسليف"، الا ان السعودية شكت لدى الجهات اللبنانية المعنية من احتمال ان تتعرض للاساءة بسبب اسم هذه الشركة، وهو ما استدعى في عام 2012 تعديل الاسم ليصبح "العربية للتسليف".
تجدر الاشارة الى ان مصرف لبنان اعدّ منذ مدّة مشروع قرار اساسيا يتضمن شروط ممارسة عمل الاشخاص الخاضعين لأحكام المادتين 183 و184 من قانون النقد والتسليف «كونتوارات التسليف»، الا ان هذا المشروع لم يصدر بعد. اللافت في هذا المشروع انه يُبقي نظام "العلم والخبر" ولا يفرض الترخيص المسبق، الا انه يفرض مجموعة من الشروط والاصول، في مقدمها ان تكون "كونتوارات التسليف" منشأة بشكل شركات مغفلة مؤسسة في لبنان على ان يكون موضوعها محصورا بعمليات التسليف، ويجب ان تكون اسهمها كافة اسهماً اسمية، وان يحدد الرأسمال الادنى لـ "كونتوارات التسليف" العاملة في لبنان بملياري ليرة لبنانية، وان تمارس اعمالها من خلال مركزها الرئيسي دون سواه ويحظر عليها فتح فروع أو وكالات أو مكاتب الا بعد الحصول على موافقة مصرف لبنان المسبقة، كما يفرض مشروع القرار على "كونتوارات التسليف" ان تثبت، على الدوام، أن موجوداتها تفوق بالفعل المطلوبات المتوجبة عليها تجاه الغير بمبلغ يساوي على الأقل قيمة رأسمالها. ولا يجوز للكونتوار ان يخفّض رأسماله أو أن يسترد أي جزء منه. واذا اصيب بخسـائر، فعليه أن يعيد تكوين رأسماله قبل تاريخ 30 حزيران من السنة المالية التي تلي السنة التي حُقِقَت فيها الخسائر، كما يفرض على "كونتوارات التسليف" العاملة في لبنان أن تكوّن مالاً احتياطياً باقتطاع 10% من أرباحها السنوية الصافية. وان تقوم بتعيين مفوض المراقبة الاساسي على اعمالها من بين الشركات المعروفة. وان تأخذ موافقة مصرف لبنان على كل تعديل يراد ادخاله على نظامها الاساسي، وعلى فتح اي فرع أو وكالة أو مكتب لها، واعلام مصرف لبنان عن كل تفرغ عن اسهمها وعن تعديل عنوان مركزها وتزويد مصرف لبنان بالمستندات المثبتة للعنوان الجديد. ويعين مشروع التعميم الحد الأقصى للتسهيلات الممنوحة من أي كونتوار عامل في لبنان إلى شخص واحد، حقيقي أو معنوي أو ينتمي إلى مجموعة مترابطة من مدينيه، بنسبة (5%) من الاموال الخاصة للكونتوار على الا تتجاوز مجموع تسديدات العميل الشهرية نسبة 35% من دخل العائلة التي تتألف من الزوج والزوجة. ويحظر مشروع التعميم على "كونتوارات التسليف" المباشرة بأعمالها قبل الحصول على علم وخبر من مصرف لبنان. كما يحظر عليها الاقتراض، بشكل مباشر أو غير مباشر، من المصارف والمؤسسات المالية أو من الجمهور أو اصدار سندات دين. او الاستحصال من العملاء، كضمانة للتسليفات الممنوحة لهم، على وكالات غير قابلة للعزل أو وكالات بيع لصالحها أو باسمها أو لصالح أو باسم اي طرف ثالث تابع لها بصورة مباشرة او غير مباشرة. كذلك يحظر عليها ان تمنح عملائها قروضاً تقل قيمتها عن 60% من قيمة الضمانة المقدمة مقابلها الا اذا طلب العميل، خطياً، غير ذلك. ويشترط مشروع التعميم على "كونتوارات التسليف" تزويد كل من مديرية الاحصاءات والابحاث الاقتصادية ومديرية الصيرفة لدى مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف بنسخة عن بياناتها المالية فصلياً، ضمن مهلة عشرة ايام من التاريخ الموقوفة به هذه البيانات، وسنويا، ضمن مهلة ستة اشهر من تاريخ انتهاء السنة المالية. على ان تقوم لجنة الرقابة على المصارف بالتاكد من حسن تطبيق احكام هذا القرار.