لا يزال الحديث عن الحقوق الجنسية والجندرية في لبنان خجولا، فالأمر يمثّل نوعاً من "التابو" حتى اليوم. حتى الأبحاث والإحصائيات المنجزة عن الموضوع تعدّ قليلة، ما أدّى إلى خلق فجوة في المعلومات المتعلقة بهذا الأمر، إلا أنّ اسئلة عديدة تُطرح عن موقف المجتمع اللبناني من قضايا عديدة مثل المثلية، متغيري الجنس والحقوق الجنسية. دفع هذا الأمر "المؤسسة العربية للحريات والمساواة" إلى إجراء دراسة تحت عنوان: "طالما بعاد عني"، تتضمّن المواقف اللبنانية حول الجنسانية والهويات الجندرية، أعدّها كل من الاستاذة الجامعية نور نصر، والناشط طارق زيدان، لمعرفة نظرة المجتمع اللبناني إلى هذه القضايا والفئات المهمشة.
تتناول الدراسة على نحو اساسي ثلاث قضايا: النظرة العامة تجاه النشاط الجنسي، النظرة العامة تجاه المثلية الجنسية والنظرة العامة تجاه متغيّري النوع الاجتماعي. أظهرت الدراسة عبر النتائج التي خلصت إليها انعداماً واضحاً لمستوى الوعي في الأوساط اللبنانية تجاه قضايا الجنسانية والحقوق والهويات الجندرية، إلا أن الأرقام أظهرت أيضاً "إمكانية واضحة للوصول الى نتائج ملموسة أكثر تسعى الى تعديل وجهة نظر الشعب". فقد أتت النتائج "باستمرار وعلى نحو متكرر رافضة استخدام العنف والإجراءات العقابية والسجن" تجاه المثليين ومتغيري النوع الإجتماعي، إلا أن هذا الأمر لا يعني قبول انخراطهم في المجتمع، فـ 64.4% رأوا ان المثليين ينبغي الّا ينخرطوا في المجتمع، فيما رأى 66.3% انهم يمثلون خطرا على المجتمع. أمّا بالنسبة إلى متغيري النوع الإجتماعي، فقد وافق 97.5% من المستطلعين على أنه لا يوجد سوى جنسين فقط مع استعدادٍ لـ"مساعدة" متغيري النوع الإجتماعي أكثر من المثليين.

رهاب المثلية الجنسية
يتّخذ غالبية اللبنانيون موقفاً حاسماً تجاه المثلية الجنسية. فقد عارض 75.9% الإعتراف بالمثلية على نحو طبيعي، كما رأى 82.2% ان المثليين يمثّلون تهديدا للاسرة التقليدية. أظهرت الدراسة أن مستوى الوعي لدى المجتمع اللبناني تجاه قضية المثلية الجنسية لا يزال متدنيا، حيث يرى 81.2% أن المثلية ليست أمرا طبيعياً، فيما يعارض 79.5% أن تكون المثلية تعبيرا طبيعيا عن الحياة الجنسية. نسبة كبيرة من العينة تؤمن إيماناً راسخاً بأن المثلية هي اضطراب عقلي (72%) أو مرض هرموني (79%). "وقد كانت هذه المعتقدات الأكثر شيوعاً، مع إعراب غالبية المشاركين عن أن المثلية ينبغي أن تخضع للعلاج"، لكن حتّى مع اعتبار الجزء الأكبر أن المثلية مرض نفسي أو هرموني، عارض 61.7% أن يقدّم المجتمع للمثليين أي شكل من الحماية من التمييز للمثليين. تقول الدراسة انه "في الواقع اختلف نصف الذين شملهم الإستطلاع أن المثليين تعرضوا لمعاملة سيئة وذلك ليس سوى مؤشر عن الوعي المحدود والتمييز الاجتماعي ضد المثليين".
التمييز ضد المثليين لا يقتصر على الأفراد في المجتمع إنما تمارسه بالدرجة الأولى الدولة عبر القوانين المجحفة وتحديداً المادة 534 من قانون العقوبات، التي تنص على ان "أي مجامعة خلافاً للطبيعة يعاقب عليها بالسجن لمدة تراوح بين شهر وسنة واحدة، وبغرامة تراوح ما بين 200 ألف ومليون ليرة لبنانية". فقد أيّد 50% هذه المادة، فيما عارض 40% شكل العقاب المطروح، وأبدى 10% حيرة تجاه هذه المسألة.
يعتقد المجتمع اللبناني بنسبة كبيرة منه ان القوانين ضد المثلية الجنسية ضرورية من أجل الحفاظ على خفض عدد المثليين، لكن في الوقت نفسه عارضت الغالبية استهداف المثليين بإجراءات عقابية قاسية. فقد أظهر الإستفتاء أنّ 77.4% عارضت فرض إجراءات عقابية شديدة، و57% رفضوا تغريمهم، فيما رفض 65.5% سجنهم. تشير هذه النتائج إلى أنه "على الرغم من معارضة المشاركين لمختلف أشكال العقاب لكنّهم أبدوا تأييدهم لشكل من أشكال التشريع ضد المثلية، كحاجة لآلية تنزع غطاء تشريع الأفعال الجنسية المثلية في المجتمع ولاسيما في صدد العلاقة المتخيلة بين القوانين وانتشار المثلية". الخلاصة التي يمكن استنتاجها من ناحية محاسبة ومعاقبة المثليين هي أن هؤلاء لا يصنفون في خانة المجرمين بالنسبة إلى المجتمع اللبناني، إلا أنّ المثلية بنظرهم "فعل غير أخلاقي".
ينتقل الباحثان في الدراسة الى المستوى الأخلاقي والديني في رؤية المجتمع اللبناني للمثليين حيث أتت المواقف أكثر سلبية من الناحية القانونية. فقد أعلن أكثر من 80% أن المثلية فعل غير أخلاقي، فيما رأى 63.2% أنها خطيئة، ما يشير إلى العلاقة القوية بين الدين والأخلاق في النظر الى مسألة المثلية، لكن عند ربط "لا أخلاقية" المثلية بجواز تجريمها رأى 38% أن اللا أخلاقية ليست بالضرورة أن تصل الى حد التشريع او اتخاذ اجراءات عقابية.
ترتبط المسألة الأخلاقية بدورها ببعض المعايير الإجتماعية إذ يرفض أكثر من نصف المشاركين في الدراسة الإنتماء الى مؤسسة أو جماعة تضم مثليين بالرغم من أنهم يرون أن المتعاطفين أو المؤيدين للمثليين ليسوا بالضرورة مثليين. يفترض الباحثان أن المشاركين يقلقون إزاء صورتهم العامة، لذلك يتجنب غالبيتهم مثليي الجنس، حتى إن أكثر من نصفهم ذكروا أنه يصيبهم توتر اذا جلس بجوارهم شخص "يبدو" مثليا.

متغيرو النوع الاجتماعي: تعاطف مع "المرضى"
قد يُفاجَأُ البعض بموقف المجتمع اللبناني من متغيري النوع الإجتماعي، إذ أظهرت النتائج أن مسألة هويات متغيري النوع الاجتماعي تكسب المزيد من تعاطف الرأي العام بعكس المثليين وذلك تحت غطاء انها مسألة طبية في المقام الأول. كذلك يتبيّن من الدراسة أنّ "إحدى النتائج الرئيسية هي حقيقة ان الغالبية الساحقة من العينة أبدت رفضها لاستخدام العنف ضد متغيري النوع الإجتماعي، حيث عارض 72.5% الإيذاء الجسدي او اللفظي". فالنظرة العامة ترى أن متغيري النوع الاجتماعي ضحية حالة بيولوجية تحتاج الى المساعدة لا العقاب، إلّا أن هذا الأمر لا يعني أن المجتمع قادر على قبول الجندر خلافاً للثنائي الجندري التقليدي، أي بين الرجل والمرأة. فـ 71.8% رأوا أن تحديد جنس الشخص، ضمن الثنائية المتعارفة، ملزم، فيما أكّد 97.5% أن هناك جنسين فقط لا غير. نظرة المجتمع للتعبير عن الجندر عن طريق ملبس الجندر الآخر تخضع أيضاً للمفاهيم الذكورية المسيطرة، بحيث رأى 87% أن الرجال الذين يرتدون ثياب نساء هم منحرفون، مقابل 80.5% للنساء اللواتي يرتدين ثياب رجال.




حرية جنسية للرجل… لا للمرأة
يدعم المجتمع اللبناني بشكل عام الحرية الجنسية، إذ وافق 55.7% من المستطلعين على أنّ كل فعل جنسي يحصل بالتراضي يجب ألا يُمنع قانوناً، كما وافق 56% على أن سلوك الشخص الجنسي متعلّق به وحده، ولا يجوز تقييمه وفقاً لنشاطه الجنسي، أمّا النتيجة المفاجئة، فكانت أنّ 88.8% أقرّوا أن الغرض الأساسي من الجنس هو الإستمتاع.
لكن، عند السؤال عن ارتباط الجنس بالزواج أظهرت النتائج توافقا قوياً بين طريقة النظر للجنس خارج إطار الزواج لدى النساء والرجال، التي أتت سلبية، إذ رفض 73.6% ممارسة الجنس خارج إطار الزواج لدى النساء، مقابل 49.4% لدى الرجال. وكما هو متوقّع، فإن النظرة تصبح سلبية جداً عندما تقوم المرأة بممارسة الجنس من دون زواج.
من جهة أخرى، أثارت قضية الإغتصاب الزوجي جدلاً كبيراً عند إقرار قانون حماية النساء من العنف الأسري، وجرى تمرير القانون من دون تجريم الأمر. أظهرت النتائج ان 90.4% من المستطلعين اعترفوا بوجود فعل الإغتصاب الزوجي، ووافق الرجال بنسبة أكبر من النساء على "حق الرجل في اغتصاب زوجته".