محمد خيرقبل أيام قليلة، أعرب أحمد شوبير، الإعلامي الرياضي والنائب البرلماني واللاعب الدولي السابق، عن ضيقه من انحدار التنافس الإعلامي في مصر إلى مراحل مؤسفة، بسبب ما أطلق عليه «هوس الـ exclusive» (البث الحصري)... تصريحات شوبير جاءت عبر برنامجه الشهير «الكورة مع شوبير» الذي يحظى بأعلى نسبة مشاهدة، رياضية، في مصر. وبغض النظر عن مدى احتدام ذلك التنافس الإعلامي، فإن المؤكد أن فضائية «الحياة» التي تبث برنامج شوبير، هي واحدة من أبرز مَن أسهموا في ترسيخ مفهوم «النقل الحصري» في مصر. ومنذ انطلاقتها في 2008 بميزانية بلغت 70 مليون جنيه مصري (حوالى 13 مليون دولار)... نافست المحطة بقوة، وأنفقت ببذخ على حملة إعلانية كبيرة، وكافحت حتى حصلت على حصرية بث عدد من أشهر المسلسلات الرمضانية. حتى أنها احتاجت إلى تأسيس قناة أخرى هي «الحياة مسلسلات»، إضافة إلى إطلاقها قريباً «الحياة 2». وسيقدم برامجها عدد من أشهر النجوم، منهم حسين فهمي مع «أنا والحياة»، وأحمد آدم مع «آدم شو»، وأشرف عبد الباقي مع «محطة مصر». أما برنامج «الحياة اليوم»، فاحتلّ مكانه سريعاً إلى جوار برامج الـ«توك شو» الأشهر، مع أنه لم ينافس جدياً «العاشرة مساء» (منى الشاذلي) و«90 دقيقة» (معتز الدمرداش) و«القاهرة اليوم» (عمرو أديب).
يبقى إذاً تأسيس «الحياة» أحد أهم الملامح «الفضائية» للعام المنصرم، ليس فقط لإمكانات القناة، بل لقضية أخرى تعلقت بما عرف بـ«وثيقة تنظيم البث الفضائي» التي بذلت مصر والسعودية جهودهما لتطبيقها في العالم العربي، ولاقت انتقادات كبيرة، لتضييقها حرية التعبير. هذه الوثيقة التي أُقرّت في شباط (فبراير) 2008، كانت أحد أسباب تأخّر انطلاق بث «الحياة»، في انتظار ما قد يسفر عنه إقرارها. وعلى رغم من الانطباع الذي ساد بفشل الوثيقة في تحقيق ما سعت إليه، عكست إشارة لضيق السلطات المصرية بالحرية المتزايدة للفضائيات، وخصوصاً برامج الـ«توك شو»، في السنوات الأخيرة. وقد تحولت الوثيقة إلى مشروع حكومي مصري في صيغة قانون لتنظيم البث المسموع والمرئي، وصفه خبراء بأنه «صيغة متشددة من الوثيقة العربية». وبعد انتقادات داخلية كبيرة، أُرجئ تقديم مشروع القانون إلى البرلمان لا التخلّي عنه.
ولأن مثلاً مصرياً يقول «العيار اللي ما يصيبش يدوش»، فإن الضجيج بشأن الوثيقة والضغوط الخفية على البرامج المصرية، قد دفع بهذه الأخيرة إلى «التخفيف من السياسة». حتى في ما يخص أحداثاً جذبت اهتماماً عالمياً مثل إضراب 6 نيسان (أبريل) الشهير واضطرابات مدينة المحلّة، فقد اقتحمت الشرطة مكتب شركة أخبار القاهرة «سي إن سي لخدمات البث الفضائي» ومصادرة أجهزتها، بعد نقلها، لحساب الفضائيات، صوراً من أحداث المحلة، رأى فيها سياسيون مسّاً بهيبة النظام السياسي.
بعد هذه الأحداث، تحوّل اهتمام الفضائيات بعيداً نسبياً عن السياسة بشكلها «النضالي»، باتجاه سياسة أكثر «إثارة»: جريمة مقتل سوزان تميم، ثم مقتل هبة العقاد وصديقتها نادين. الجريمتان، على رغم أبعادهما المأساوية، فتحتا النقاش على أسئلة تتعلق باختلاط المال بالسياسة والجريمة، وبالاحتكاك الدامي، بين مجتمعات الصفوة وسكان العشوائيات.
أما التلفزيون الحكومي، فقد حاول أن يخطو خطوة منافسة للفضائيات، مع تأسيس «شبكة تلفزيون النيل» (N T N) التي انطلقت مع شهر رمضان، وضمت قنوات «نايل سبورت» و«نايل دراما» و«نايل لايف»، ثم «نايل سينما».
كذلك، انطلقت ON TV في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، كشقيقة صغرى لـOTV (يملكهما نجيب ساويرس)، تناقش قضايا المواطن المصري انطلاقاً من «رؤية تنويرية». وكان من المفترض أن تكون «أون تي في» إخبارية، لكن يبدو ذلك حتى الآن ممنوعاً في مصر، ما يعطل أيضاً انطلاق «الحياة الإخبارية».