عندما أنهت سرد حكايتها الأخيرة في الليلة الأولى بعد الألف، رفعت شهرزاد إلى الملك شهريار تمنّياً واحداً: أن يعفو عنها فلا يقتلها رأفةً بالأطفال الذين أنجبتهم منه. وشفع الملك عفوه بالتعبير عن حبّه لها. و«الأخبار» في هذا اليوم لا تجد التماساً تتقدّم به إلى قارئها خيراً من العفو. العفو عن أخطاء لا شكّ بأنها ارتكبتها، والعفو عن أخطاء لا بدّ لها من ارتكابها. صاحبُ الجلالةِ القارئ يمسك بمصير الصحافة كما كان شهريار يمسك بمصير أسيرته، وليته كان للصحافةِ شيءٌ من سحرِ لسان شهرزاد، وليته كان لها ما كان لبنتِ الوزير الفدائيّة من سجلّ ناصع في التجرّد والنزاهة والنخوة الإنسانيّة وخصب الخيال... الجميلُ البنّاء لا الدسّاسُ الهدّام. ولكنْ أنّى للصحافة هذا الكمال، وهي مرآةُ مجتمعها، وهل يحقّ لـ«الأخبار» أكثر من أن تنتقد نفسها، وهي بالكاد مقبولة كالابنة الصغرى في عائلة الكبار؟العفو، إذاً، أيّها القارئ العزيز، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، والعفو أيضاً لأنّنا مضطرّون أن نكمل حكاياتنا بعد اليوم الذي توقّفت عنده ستُّنا شهرزاد، وهذا هو الفرق بين الفنّ ـــــ رواية كان أم شعراً وموسيقى وتصويراً وسينما ـــــ والصحافة... فالأول صناعته البقاء والأخرى صناعتها الفناء. وعزاء الصحافة الوحيد هو أنّها مُطْعِمُ وحشِ الوقت من مادته.
وكلّ ألفِ يوم وأنتم بخير.
«الأخبار»