من الأقوال المأثورة للكاتب الايرلندي الشهير جورج برنارد شو أن «أضمن طريقة لتدمير الرجل الذي لا يعرف ادارة ماله هي أن تعطيه المزيد من المال». انعدام التخطيط والفوضى توأمان لا ينفصلان. إذا اردنا ان نستوحي من الفيزياء، يمكن تشبيه الموازنة بالجاذبية. من دون موازنة يتفلّت الانفاق من دون ضوابط، وتتبعثر الواردات من دون رادع ووسيلة ضبط. الموازنة خريطة طريق نحو المستقبل، لكنها متجذّرة في الحاضر ولا تهمل الماضي المالي. إعداد الموازنة بسيط لكنه يتطلب فقط... الإرادة.اتخاذ القرارات المالية السيئة مرتبط، الى حد كبير، بغياب الموازنة التي تضع الأطر العامة للاستراتيجية المالية المفترض اتباعها. انعكاسات القرارات المالية السيئة قد تطال الصحة في الكثير من الأحيان، وآثارها خطيرة جداً. في دراسة نشرت عام 2013 للباحثين سندهيل مولايناثان وادار شافير، يتبيّن أن العجز المعرفي الذي ينتج عن الانشغال بالمسائل المالية يعادل خسارة 13 نقطة من اختبار الذكاء IQ، فقدان النوم لليلة كاملة أو أن يكون الشخص مدمن كحول.
سبق وأشرنا الى ان الموازنة تفرض نوعاً من الانضباط المالي. عام 1960، أجرت جامعة ستانفورد دراسة نفسية على الأطفال. منح الأطفال حلوى الخطمي المعروفة بـ marshmallow. تعمّد الباحثون ترك الأطفال مع الحلوى لمدة 15 دقيقة. تبين أن واحداً من كل ثلاثة أولاد استغرقه أكل الحلوى ربع الساعة كاملة، فيما التهم الباقون الحلوى في ثلاث دقائق. دراسات لاحقة برهنت أن السبب الذي منع بعض الأطفال من التهام الحلوى بسرعة لم يكن قلة الشهية، بل قدرتهم على ضبط النفس. أما الأكثر تسرعاً فهم الأقل قدرة على التخطيط.


ثلاث خطوات... لاعداد الموازنة



اعداد موازنة يتطلب حصر الايرادت والنفقات، تقسيم الموازنة حسب احتياجاتك وتوزيع الدخل بحسب النفقات والمدخرات.


1ــــ حصر الايرادات والنفقات:


الميزانية اسم مشتقّ من الميزان، و يقصد به التوازن واعتدال كفتي الميزان بين الإيرادات والنفقات. حصر التدفقات النقدية الوافدة والخارجة ضروري للحفاظ على التوازن من خلال التأكد ان كانت النفقات تفوق الايرادات، وبالتالي العمل على ضبطها. تبيان التدفقات النقدية بدقّة يتطلب وضعها في اطار زمني محدد، يفضّل أن يكون قريباً بما يساعد على الوضوح كي لا تختلط عليك الأمور وتضيع في عالم الأرقام. هذه المدة قد تكون اسبوعية أو شهرية مع ترجيح الخيار الثاني كونه مرتبط بتحصيل المعاش.
بعد اختيار المدة يتم تدوين جميع مصادر الدخل من الراتب الشهري، مدخول المشروع التجاري إن وُجد، مداخيل أفراد الأسرة الآخرين ان كان هناك تشارك وتعاون مالي، التحويلات القادمة من الاغتراب في حال توفرها، وجميع مصادر الإنفاق من ضرورية كالطعام والمسكن والنقل، او اختيارية كالمرتبطة بالترفيه من دون النفقات الاستثنائية. فالهدف يكمن في حصر النفقات التي تدفع بشكل أكيد خلال الفترة التي تختارها. ولاحقاً قم بحسم اجمالي النفقات من اجمالي الايرادات. تكرار هذا الأمر زمنياً يساعد في اعطاء صورة شبه دقيقة عن حركة تدفقاتك النقدية.


2ـــ تقسيم الموازنة حسب الاحتياجات


حصر الايرادات والنفقات خطوة مهمة لكنها ليست كافية. من الضروري معرفة أين تنفق الأموال، لكن الأبدى تحديدها وفق الأولويات. الأولويات قد تختلف بين شخص وآخر وفق الظرف الاجتماعي لكل شخص ومقدراته المالية. من الصعب بالتالي اعطاء وصفة تصلح لكل الأشخاص، لكن خبراء الانفاق المالي يوصون بالانفاق وفق الترتيب التالي:
ــــ تسديد الديون
ــــ تأمين النفقات اليومية الأساسية
ــــ الادخار للاهداف والاحتياجات المستقبلية أكان ادخاراً قصير الأمد أو متوسطاً أو طويل الأمد.
اعتبار تسديد الديون أولوية تسبق النفقات اليومية الاساسية ليس بالامر العبثي، لا بل هو قرار له انعكاسات مستقبلية مهمة. فالتأخير في سداد الدين يؤدي الى زيادة كلفته، وفقدان المصداقية ما قد يحرمك من الاستحصال على قروض في المستقبل، اضافة الى غرامات التأخير التي تضاف الى المبلغ الأساسي.


3ـــ توزيع الدخل


بعد تحديد أولويات الانفاق يصبح من السهل توزيع المداخيل بحسب هذه الأولويات. هذه المرحلة وعلى رغم بساطتها الظاهرية، إلا انها قد تفرض عليك اتخاذ قرارات صعبة. قد تظهر في هذه المرحلة فوارق كبيرة بين المداخيل والنفقات ما يهدد اعتدال الميزانية. من هنا، ومن دون الحاجة الى تبديل الاولويات، قد تضطر الى ادخال بعض التعديلات على اقسام الميزانية بما لا يتعارض مع توجهاتك المالية، كتمديد الفترة المتوقعة لتحقيق اهدافك، خفض بعض النفقات غير الضرورية، استخدام مواد سعرها أقل، التقليل من المبلغ المفترض ادخاره...