يتوسط مشهدٌ سريالي الرافعات وسفن الحاويات في ميناء روتردام، في هولندا، هو عبارة عن مزرعة عائمة «فريدة من نوعها في العالم»، تضمّ قطيعاً من الأبقار.
وهذه المزرعة العائمة، التي تتألف من ثلاث طبقات والمصنوعة من فولاذ وزجاج، تمثّل «مستقبل تربية الحيوانات» في هولندا المكتظّة سكانياً والمعرّضة لارتفاع مستويات سطح البحر، مما جعل الأراضي الزراعية سلعة نادرة فيها.

وخُصصت الطبقة الثالثة من المزرعة للأبقار، أما الطبقة التي تحتها، فمخصصة لتحويل الحليب أجباناً وألباناً وزبدة. أما الدور الأول، أي الأقرب إلى سطح الماء، فهو مكان إنضاج الجبن.

وتقول صاحبة المزرعة، مينكي فان وينغردن، البالغة من العمر 60 عاماً، لوكالة «فرانس برس»، إن «العالم تحت الضغط»، ما جعلها وزوجها بيتر يبتكران هذا المشروع، الذي يصفانه بأنه «أوّل مزرعة عائمة في العالم».

وتُضيف: «نريد أن تكون المزرعة مستدامة، ومكتفية ذاتياً قدر الإمكان».

وتثير الحظيرة بأبقارها الأربعين، تناقضاً صارخاً مع السفن الضخمة والدخان المنبعث من المداخن المجاورة في مرفأ روتردام، أكبر موانئ أوروبا، والمسؤول عن 13,5% من انبعاثات الكربون في هولندا.

وشاءت فان وينغردن أن تأتي وزوجها «بالريف إلى المدينة»، وأرادت تعزيز وعي المستهلك وإقامة مساحات زراعية.

واعتاد الهولنديون على استخدام التقنيات الزراعية المتقدمة، علماً أن هولندا هي ثاني أكبر مصدّر للمنتجات الزراعية في العالم، بعد الولايات المتحدة، وذلك بفضل التربية المكثّفة للحيوانات، وشيوع البيوت البلاستيكية للزراعة. غير أن هولندا باتت اليوم تدفع ثمن ذلك

مضادة للفياضانات
وتُعدّ الانبعاثات من الأعمال الزراعية، وخصوصاً من مزارع الألبان، مشكلة حقيقية في هولندا، وهي واحدة من أكبر مصادر التلوث في أوروبا. وتولّد الأبقار انبعاثات مختلفة تحتوي على الميثان، وهو غاز يُعزّز الاحتباس الحراري.

وما يزيد حساسية تأثّر هولندا بالاحترار المناخي، هو أن نحو ثلث اليابسة فيها يقع تحت مستوى البحر.

وتتابع فان وينغردن: «نحن على الماء، وتتحرك المزرعة إذاً على أساس المدّ والجزر، ونعلو وننخفض متريْن. لذلك، يمكننا أن نستمرّ في الإنتاج حتى في حال حدوث فيضان».

وتتغذى أبقار فان وينغردن الحمراء والبيضاء، المنتمية إلى سلالة هولندية ألمانية، من بقايا تُزوَّد بها المزرعة، بينها عنب من بنك الغذاء، وبقايا حبوب من مصنع جعة قريب، وعشب من ملعب الغولف وملعب نادي «فينورد روتردام» المحلّي لكرة القدم.

ويُحوَّل روثها سماداً للحديقة، ويُعقّم البول لإعادة تدويره إلى مياه شرب للأبقار، فيما تحيط بالحظيرة عشرات الألواح الشمسية لإنتاج الكهرباء اللازمة لتشغيل المزرعة.

وتُحلَب بعدها الماشية بواسطة «روبوت»، وتُباع الأجبان والألبان والزبدة في متجر على جانب الطريق. كذلك تزوّد المزرعة مطاعم محلية منتجاتها.

هذا ويتوقع الزوجان أن المزرعة ستدرّ المداخيل عليهما نهاية العام 2021، علماً أن سعر ليتر الحليب يبلغ 1,80 يورو، مقارنةً بمعدّل حوالي يورو واحد، لشراء زجاجة حليب من المتجر.