القاهرة | شهر كامل استغرقه رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، لتشكيل حكومته الجديدة، في أكبر تغيير وزاري تشهده البلاد في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي. ويبدو أن النظام فضّل إرجاء الإعلان عن التشكيلة الحكومية الجديدة حتى يوم 3 تموز، تزامناً مع ذكرى الإطاحة بـ«جماعة الإخوان المسلمين» من السلطة، في عام 2013، علماً أنه من المفترض أن تقدّم الحكومة العتيدة استقالتها في كانون الثاني عام 2026، أي أنها ستتولى الحكم لـ18 شهراً فقط. وتجيء مفاجآت التشكيلة الجديدة لتؤكد فقدان أي أمل في إصلاح حقيقي في البلاد؛ إذ أثار اختيار بعض الوزراء، وفي مقدمتهم وزير الخارجية والهجرة وشؤون المغتربين، بدر عبد العاطي، استياءً واسعاً داخل أروقة الخارجية، نظراً إلى أنه أثيرت بشأنه اتهامات بالسرقة خلال فترة وجوده سفيراً لمصر في ألمانيا، خصوصاً مع وجود أسماء أخرى كانت مرشّحة لتولي المنصب أكثر تأثيراً منه ومعروفة بولائها للنظام. على أنه رجحت كفة عبد العاطي، في نهاية المطاف، استناداً إلى دوره النشط في الشهور الماضية مع الأوروبيين في ملف الاستثمارات، فضلاً عن أن اختياره جاء بترشيح من قِبل الوزير السابق، سامح شكري، باعتباره صديقه المقرب والذي عمل كمتحدث رسمي لوزارته لنحو ثلاث سنوات بعد 2014. ولم تقتصر الانتقادات التي وجّهت إلى عبد العاطي على ذلك، بل شملت أيضاً الحديث عن ضعف شخصيته.أيضاً، شهد التشكيل الوزاري استبدال وزراء المجموعة الاقتصادية بالكامل تقريباً، ليصعد بدلاً منهم رجال الصف الثاني، والذين بقوا في مناصبهم لتنفيذهم السياسات القديمة نفسها التي يفترض أن يقوموا بتغييرها الآن، في وقت يُطرح فيه إرجاء زيادات أسعار الكهرباء والمحروقات لعدة أسابيع. على أن الأمر اللافت حمله اختيار محمد عبد اللطيف، وزيراً للتعليم، كون الأخير يدير مدارس خاصة وعائلته لديها أكثر من مشروع في استثمارات المدارس الدولية، فيما جاء اختيار وزير الدفاع، الفريق أول عبد المجيد صقر، وتعيين الفريق أحمد خليفة، رئيساً للأركان، ليكونا بمثابة استكمال للتغيير في المؤسسة العسكرية، رغم محاولة نفي الإقدام على هذه الخطوة في الأيام الماضية.
من المفترض أن تعرض الحكومة الجديدة برنامجها على مجلس النواب في غضون شهر من الآن لنيل الثقة


وبخلاف الإسهاب في تعيين نواب للمحافظين من دون اختصاصات واضحة، وكذلك نواب للوزراء الجدد من دون أن يكون للأخيرين رأي فيهم، برز في حركة التعيينات الجديدة الاهتمام بإبراز المرأة والأقباط عبر اختيار أكثر من وزيرة سيدة، من بينهن واحدة مسيحية اختيرت لوزارة التنمية المحلية، لتكون أول سيدة تشغل هذا المنصب. وفي الوقت نفسه، استبعد السيسي عدة شخصيات بقيت في مناصبها لفترات طويلة، من بينها وزير الأوقاف السابق، مختار جمعة، الذي عُيّن «غريمه» ومستشاره الديني السابق، أسامة الأزهري، خلفاً له، إلى جانب استبعاد محافظ جنوب سيناء، اللواء خالد فودة، الذي بقي في منصبه لما يزيد على 11 عاماً وعانى في السنوات الأخيرة من مشاكل صحية جعلته غير قادر على أداء مهام عمله بشكل واضح، وسط اعتماده الكبير على مساعديه. ويبدو أن الفائز الأكبر من التغييرات الوزارية، الفريق كامل الوزير الذي عُين نائباً لرئيس الوزراء ومسؤولاً عن الصناعة، إلى جانب عمله كوزير للنقل، في خطوة تمهد لتوليه رئاسة الحكومة المقبلة، خصوصاً مع قربه من الرئيس وحصوله على الإشادات المستمرة بأدائه.
وستتركز مهمة الحكومة الجديدة على جذب الاستثمارات الأجنبية، إلى جانب التقليل من عمليات الاقتراض من الخارج، والعمل على توفير موارد مستدامة للنقد الأجنبي، وتنفيذ عمليات بيع للشركات المملوكة للدولة، فضلاً عن المقرات الإدارية للوزارات والموجودة في وسط القاهرة. وإذ بدأ العمل على تلك الجوانب بالفعل خلال الشهور الماضية ليجري استكماله الآن، فمن المنتظر أيضاً إتمام صفقة «رأس جميلة» مع السعوديين والتي ستدرّ ملايين الدولارات على الاقتصاد المصري بشكل سريع، على غرار صفقة «رأس الحكمة» التي أُبرمت مع الإماراتيين بداية العام الجاري. ومن المفترض أن تعرض الحكومة الجديدة برنامجها على مجلس النواب في غضون شهر من الآن لنيل الثقة ومن ثم مباشرة مهام عملها، لكن هذه الخطوة الروتينية لن تكون ذات معنى في ظل ترحيب الأغلبية البرلمانية بالوزراء الجدد، على اعتبار أنهم يمتلكون رؤىً سيسعون إلى تنفيذها خلال الفترة المقبلة.