القاهرة | يطوي المصريون عام 2023، الذي مرّ ثقيلاً عليهم وكأنّه عقد كامل. فبين بداية العام ونهايته، سُجّل تفاوت كبير في سعر الدولار، بين نحو 25 جنيهاً للدولار الواحد في البداية، ونحو 53 جنيهاً في النهاية، وسط قيود على أيّ تعاملات بالعملة الصعبة، وتسجيل لمعدلات تضخم شهرية هي الأعلى في التاريخ مع تجاوزها حاجز الـ 40%، وفشل الدولة في اتخاذ أيّ إجراءات لحماية الفئات الأقل دخلاً. ولم تنجح الزيادات المالية المحدودة التي منحها الرئيس عبد الفتاح السيسي لموظفي الدولة، في احتواء آثار التضخم، في ظل تآكل قيمة الأجور بشكل متسارع، وارتفاع أسعار مختلف السلع وشح بعضها، وفي مقدّمتها الأرز والسكر وحتى بعض الخضروات على غرار البصل. وبالتوازي، انهار الإنجاز الذي تباهى به النظام في مجال الكهرباء، بعودة انقطاع التيار لعدة ساعات يومياً، بغية تخفيف الأحمال وتوفير المحروقات التي تستخدم في توليد الكهرباء، وتلافي اتخاذ قرار بمزيد من إجراءات رفع الدعم، في الوقت الذي تعثّر فيه التفاوض على مدار العام مع بعثة «صندوق النقد الدولي»، ما أدّى إلى إيقاف صرف شريحتين من قرض الـ 3 مليارات الذي صرفت شريحته الأولى نهاية العام الماضي.هكذا، لم تنجح الدولة في إدارة أيٍ من الملفات الداخلية. وما بين أزمات نقص السلع وارتفاع الأسعار وعدم القدرة حتى على توفير الأدوية المستوردة والنقص الحاد فيها، تمثل الإنجاز الأهم بالنسبة إلى النظام في انتقال مقر الحكم إلى العاصمة الإدارية الجديدة، بالإضافة إلى نقل مقارّ الوزارات إليها، والذي بدوره لم يكُن منظّماً لجميع الوزارات، إذ واجه صعوبات مرتبطة بأخطاء في عملية التخطيط للانتقال وتأخر استثمار مقارّ الحكومة القديمة في وسط القاهرة. كما تمثّل جزء من الإخفاقات الحكومية في استمرار تناقض السياسات المعلنة مع ما يجري تنفيذه، وهو ما أجبر الحكومة تحت ضغوط نقص العملة الحادة والتهديد بالتعثر عن سداد الديون وفوائدها، التي باتت تلتهم أكثر من نصف الموازنة، على تنفيذ عمليات بيع لشركات والاستغناء عن حصص في شركات ناجحة لمصلحة مستثمرين أجانب، لجمع سيولة بالدولار بشكل سريع. وفي هذا السياق، بدا واضحاً التضارب في ظلّ رفض الجيش الخروج من أيّ مشروعات قام بتنفيذها، على رغم طلب «النقد الدولي» والمانحين الخليجيين ذلك، توازياً مع الاستمرار في تنفيذ مشروعات ضخمة بمليارات الدولارات المقترضة من الخارج، وتفاقم مستوى الديون إلى أرقام قياسية، وزيادة الشرائح التي يتوجّب دفعها على المدى القريب.
بات يُنظر بحذر إلى وجود القطاع الخاص في بعض القطاعات تخوّفاً من عمليات احتكار قد تدفع نحو مزيد من زيادة الأسعار


وفيما توجّه المصريون إلى محاولة الاستثمار والحفاظ على قيمة أموالهم مع الانهيار الحادّ لقيمة الجنيه أمام العملات، كانت الحكومة تسرّع من عمليات بيع الأصول للمستثمرين لتدخل الدولار إلى الخزانة، في ظل تراجع حتى صادرات الغاز الطبيعي التي كان يعوّل عليها لتوفير جزء من الاحتياجات بالدولار. وبشكل رئيسيّ، نفّذت الحكومة صفقات بيع لمصلحة مستثمرين خليجيين بمليارات الدولارات، وذلك من بين الأصول التي ورث معظمها النظام الحالي من الأنظمة السابقة، وتراجعت عائداتها التي كانت تدخل في الموازنة، في وقت بات يُنظر فيه بحذر إلى وجود القطاع الخاص في بعض القطاعات تخوّفاً من عمليات احتكار قد تدفع نحو مزيد من زيادة الأسعار.
بالنتيجة، ارتفاع معدلات التضخم لم يمنع الدولة من زيادة الضرائب وإقرار ضرائب جديدة على السلع تحت مسميات مختلفة، من أجل زيادة موارد الدولة التي باتت عاجزة عن استكمال جزء ليس بالقليل من المشروعات التي يجري تنفيذها، وهو ما برز أخيراً في إيقاف العمل ببعض المشروعات وتأخر مواعيد تسليمها من دون إعلانات رسمية. وبالرغم من أن الانتخابات الرئاسية لم تكن مقررة أصلاً في عام 2023، وتقرر بشكل مفاجئ تقريب موعدها لأكثر من 6 أشهر لتجري وتنتهي في الربع الأخير من 2023، انتهت - كما كان متوقعاً - بفوز السيسي بولاية ثالثة حتى 2030 بنسبة مشاركة غير مسبوقة ورقياً، عبر حشد المواطنين للتصويت بالإجبار من جانب الأجهزة الأمنية.
أما خارجياً، فاستكملت مصر خطوات استعادة علاقتها مع تركيا التي دخلت مرحلة جديدة في ظل رغبة في توسيع نطاقات الشراكات، في وقت لا يزال فيه التوتر قائماً مع السعودية بصورة غير مسبوقة وسط التباينات الموجودة بين وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، والرئيس المصري. كذلك، حافظت القاهرة على علاقات منضبطة مع الإمارات، على رغم وجود تباينات جوهرية في عدة ملفات. وأيضاً، لم تنجح الديبلوماسية المصرية في التعامل مع الأزمة في السودان، والتي أربكت صنّاع القرار في مصر، فيما تواصلت تداعيات أزمة «سدّ النهضة» مع إخفاق المسار الجديد للحل، والذي جرى التوافق عليه بين الرئيس المصري ورئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد. وأخيراً، جاءت حرب غزة لتكون بمثابة طوق النجاة للنظام.