القاهرة | لم تستطِع الأجهزة الأمنية في مصر إكمال مشهد «الديموقراطية الشكلية» في الانتخابات الرئاسية حتى النهاية؛ إذ بعد حشدها المواطنين حول صناديق الاقتراع بأساليب الترهيب والترغيب، عمدت إلى منع مندوبي المرشح المحسوب على المعارضة، فريد زهران، من حضور عمليات فرز الأصوات، فيما سمحت بوجود مندوبي حملة الرئيس عبد الفتاح السيسي. وانتقد زهران، في بيان، الارتباك الذي ساد فور إغلاق صناديق الاقتراع، حيث بدأت بعض اللجان إعلان الحصر بمشاركة مندوبي المرشحين، فيما رفضت أخرى الإعلان عن الحصر النهائي، وهو ما انعكس حجباً للنتائج التفصيلية من قبل وسائل الإعلام المحلية، والاكتفاء بالإشارة إلى تصدّر السيسي بفارق كبير. وفي موازاة ذلك، سارع إعلام النظام، الذي احتوى المرشّحين المنافسين للرئيس، إلى إغلاق الباب أمامهم فور غلق صناديق الاقتراع، وإغلاقه أمام المواطنين أيضاً. على أن مشكلات مصر التي جرى اصطناع حلول لبعضها خلال الأيام الماضية بشكل سريع، لم يَطل نسيانها، فيما لغة الخطاب الإيجابية المدافِعة عن حق المواطن بدأت في التبدل سريعاً؛ فبعد أيام توقّف فيها قطع التيار الكهربائي، وتوافر فيها السكر بسعر مخفض عبر المنافذ الحكومية، وانخفض خلالها سعر البصل الذي زاد أكثر من 15 ضعفاً في أسابيع فقط، عادت الأمور كما كانت قبل الانتخابات. ولم تنتظر الحكومة إعلان النتائج رسمياً، لتعلن عودة انقطاع التيار الكهربائي بواقع ساعتين يومياً بالتناوب في غالبية المناطق، وسط انعدام الحلول لأزمة الكهرباء، فيما عادت أزمة السكر - الذي كانت الحكومة قد وفّرته من المخزون الاستراتيجي -، إلى الاختفاء، أمس، بعدما مثّل إحدى وسائل الرشى الانتخابية. ويأتي هذا في حين ينتظر المصريون تحريكاً في أسعار الصرف وزيادة في أسعار المحروقات خلال الأسابيع المقبلة.
بدأ تجهيز الاحتفال بتنصيب الرئيس وأداء اليمين أمام مجلس النواب بالفعل


وبحسب النتائج الأولية، مدّد السيسي ولايته لمدة 6 سنوات بأغلبية ستفوق 90%، في مقابل نسب هزيلة لباقي المرشحين لن تزيد على 4% في أفضل الأحوال. ويعكس ذلك درجة التحكم في إدارة العملية الانتخابية، بما فيها محاولات إبقاء المركز الثاني لمرشح الأجهزة الأمنية، حازم عمر، رئيس حزب «الشعب الجمهوري»، الذي دعمه الأمن بصورة كبيرة وخاصة في اليوم الأخير من الانتخابات. ويبدو أن السيسي سيحقّق الأرقام القياسية التي أرادها، أي نسبة نجاح تقارِب النسب السابقة في الانتخابات، مع تسجيل ما يقال إنها أعلى نسبة مشاركة في جميع الانتخابات الرئاسية، وهي 60%، فيما ينتظر فوزه فقط الإعلان الرسمي عنه يوم الاثنين المقبل من قِبل «الهيئة الوطنية للانتخابات».
وفي هذا الوقت، بدأ تجهيز الاحتفال بتنصيب الرئيس وأداء اليمين أمام مجلس النواب، في ظل رغبة السيسي في أن يؤدي اليمين داخل مقر البرلمان الجديد في العاصمة الإدارية الجديدة، والذي لا يزال قيد الاكتمال، بحسب مصادر أفادت «الأخبار». وفيما انتهت مرحلة الانتخابات التي جرى فيها الدفاع عن المواطنين واحتواء غضبهم ومخاطبتهم باللطف واللين، بات واضحاً أن مرحلة جديدة تلوح في الأفق، وستشهد تنفيذ التعليمات الصادرة من القيادة السياسية والعسكرية، والتي تعكس فلسفة إدارة الدولة خلال سنوات حكم السيسي المقبلة، والتي ستشهد افتتاح مشروعات عدة مؤجّلة مع بدء تطبيق الإجراءات الاقتصادية الصعبة، التي من شأنها أن تمهّد للحصول على دفعة جديدة من قرض «صندوق النقد الدولي». ولن تقتصر المرحلة الجديدة هذه على كيفية تعامل الرئيس مع الشعب، بل ستشمل أيضاً الدائرة المحيطة به، والتي ستشهد حركة تغييرات على الأصعدة كافةً، وفي مقدمتها التعديل الوزاري المرتقب وتغييرات جذرية في الدائرة المحيطة بالرئيس، سواء بالتصعيد أو الإبعاد لشخصيات عدة.