في المحصّلة، فشلت الدول الثلاث في إصدار بيان مشترك، بسبب الهوّة الكبيرة في وجهات النظر بين القاهرة والخرطوم من ناحية، وأديس أبابا من ناحية أخرى. ويأتي ذلك في وقت تُطالب فيه إثيوبيا بإدخال جنوب أفريقيا كراعٍ في المفاوضات، وهي الدولة التي تنحاز إلى أديس أبابا بشكل مطلق، وكانت قد عطّلت خطوة تدويل الأزمة خلال رئاستها للاتحاد الأفريقي العام الماضي، مع إطالة أمد التفاوُض بلا جدوى. وبحسب التصريحات الرسمية الصادرة عن وزارة الخارجية المصرية، فإن المفاوضات لم تُحقّق تقدّماً، ولم تُفضِ إلى اتفاق في شأن إعادة إطلاقها، وهو ما اعتبرت القاهرة أنه «يُثبت بما لا يدع مجالاً للشكّ قدْر المرونة والمسؤولية اللتين تحلّت بهما كلّ من مصر والسودان»، ويؤكد «غياب الإرادة السياسية لدى إثيوبيا للتفاوُض بحسن نيّة وسعيها للمماطلة والتسويف، من خلال الاكتفاء بآلية تفاوُضية شكلية وغير مجدية».
مصادر عسكرية مصرية: استخدام القوة لن يحدث إلّا في أسوأ الأحوال
ووصفت مصر الموقف الإثيوبي بـ»المعيق الذي سيؤدّي إلى تعقيد أزمة سدّ النهضة، وزيادة الاحتقان فى المنطقة». وجاء ذلك في وقت انطلقت فيه مرحلة بحث جميع الخيارات بين القاهرة والخرطوم لتصعيد الموقف على المستوى الدولي، مع عقد جلسات حوار للتعريف بالأزمة بدأتها وزارة الخارجية السودانية لمواطنيها المغتربين، ولا سيما في أوروبا، ضمن مساعي الضغط على إثيوبيا، والتي سيتمّ تكثيفها خلال الأيام المقبلة. وعلى رغم وضوح آلية تعامُل الرئيس الكونغولي، فيليكس تشيسيكيدي، مع فشل المفاوضات، ولا سيما بعد تأكيداته السابقة ضرورة إيجاد الحلّ داخل الاتحاد الأفريقي، إلّا أن مصر تضغط بشكل كبير لإبعاد الاتحاد، ولا سيما في ظلّ ضيق الوقت والمخاوف من استمرار التعطيل، بما يسمح بالملء الثاني الذي أعدّت القاهرة سيناريوات لمواجهته على المستويات كافة.
في هذه الأثناء، وقبيل ساعات من إعلان فشل ما وُصفت بـ»مفاوضات الفرصة الأخيرة»، جاء الإعلان عن انتهاء التدريبات العسكرية الجوية المشتركة بين مصر والسودان. وحملت هذه التدريبات رسائل عدّة إلى إثيوبيا، مرتبطة بالتنسيق العسكري بين البلدين بصورة غير مسبوقة، ولا سيّما بعدما لوّح الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، للمرّة الأولى الأسبوع الماضي، باستخدام القوة، وهو سيناريو مستبعد بشكل كبير، لكنه لا يزال قائماً. وبحسب مصدر عسكري مصري تحدّث إلى «الأخبار»، فإن «استخدام القوة لن يحدث إلّا في أسوأ الأحوال، لكنه لا يمكن أن يتمّ بعد الملء الثاني الصيف المقبل، وفي حال اللجوء إليه سيكون قبل اتخاذ إثيوبيا هذه الخطوة، لأن العمل العسكري بعد الملء الثاني ستكون تداعياته على السودان كبيرة جداً، وسيتسبّب بخسائر بمليارات الجنيهات، نتيجة تدمير قرى بالكامل في المنطقة القريبة من السدّ بسبب تدافُع المياه».
ويباشر وزير الخارجية المصري سامح شكري، ونظيرته السودانية مريم الصادق المهدي، التنسيق في شأن التحرّكات المقبلة، وخصوصاً لناحية آلية التصعيد دولياً، والمستندات والأدلّة التي سيتمّ تقديمها لإثبات الإصرار الإثيوبي على السير بانفراد في عملية بناء السدّ، بما «يخالف القانون الدولي بشكل كامل، ويضرّ بمصالح مصر والسودان». وبحسب مصادر مصرية، فإن إثيوبيا عملت على تشتيت الجهود في الأيام السابقة لاجتماعات الكونغو، من خلال محاولة إقناع جنوب السودان والكونغو بالتوقيع على «اتفاقية عنتيبي». وهو ما نقلته مصادر في البلدين إلى القاهرة والخرطوم، في وقت تُجرى فيه مفاوضات لمشاريع مشتركة بين مصر وجنوب السودان، من أجل إحباط المحاولات الإثيوبية لضمّ جوبا إلى المعاهدة التي يرفضها المصريون والسودانيون.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا