بعدما أشبع درساً في اللجان المختصة منذ عام 2008 يوم أسقط من جدول الهيئة العامة، وبعد نحو 20 عاماً على إقراره في مجلس الوزراء في الخامس من آب 2004، أقرّ مجلس النواب أمس القانون المتعلّق بـ«تعديل بعض أحكام قانون الضمان الاجتماعي وإنشاء نظام التقاعد والحماية الاجتماعية». وبإقراره معدّلاً، وفقاً لتوصيات إدارة الضمان الاجتماعي، بحسب المدير العام للصندوق محمد كركي، حلّ النص الجديد مكان نظام تعويض نهاية الخدمة الذي شكّل الفرع الرابع من فروع الضمان الاجتماعي.ولكن ما جدوى إقرار قانون مضى على كتابته عقدان من الزمن؟ لقصة نظام التقاعد المقرّ أوجه عديدة، وجبهات متقابلة، منها من عملت على تأخير إصداره لأسباب تراها جوهرية، وتمنع تطبيقه، وأخرى هلّلت له. القانون المقر غرق في غياهب اللجان النيابية 15 سنة بسبب معضلة إدارته المالية والتمويل التي لم تجد حلاً. وطفا إلى السطح في الفترة الأخيرة لـ«أسباب شعبوية»، بحسب العاملين على دراسته، إذ «عاد الكلام عن ضرورة إقراره قبل أشهر من انتخابات عام 2022 النيابية، ومن دون إيجاد حل لمشكلة التمويل حتى الآن». كما أنّ الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لا يملك التقنيات اللازمة ولا الكادر البشري المؤهل لإدارة النظام التقاعدي.
«القانون بلا طعمة، ولن ينفذ»، بحسب توصيف عضو مجلس إدارة الضمان رفيق سلامة، الذي شارك في صياغته منذ عام 2002. كثرة اللجان النيابية التي مرّت على نظام التقاعد زادت من مشاكله، و«اللجنة الأخيرة غيّرت في التمويل»، في حين «أنّ أهم ما في أنظمة التقاعد هو التمويل، إذ يجب أن تكون الدراسات صحيحة لتأمين التوازن المالي، والنتيجة لن تظهر إلا بعد عشرات السنوات». ولكن، «لا إجابات واضحة حول كيفية تأمين الأموال للمقبلين على التقاعد سوى بتحميلها للدولة، والأخيرة مفلسة».
تمويل أنظمة التقاعد يقوم على أمر من اثنين. إما الرسملة، أي وضع اشتراكات العامل في حساب افتراضي، وتشغيل الأموال خلال سنوات العمل، ما يؤدي إلى مضاعفتها عبر الفوائد، ومن ثمّ توزيعها على أشهر تقاعد المشترك نفسه. وإما عبر اعتماد نظام التوزيع القائم على تمويل الجيل العامل من اشتراكاته لمعاشات الجيل المتقاعد، وهذا التضامن بين الأجيال يفرض التمويل.
صندوق الضمان لا يملك التقنيات اللازمة ولا الكادر البشري المؤهّل لإدارة النظام التقاعدي


اعتمد النظام التقاعدي اللبناني التوزيع، ولكن تقرّر حسم الاشتراكات التقاعدية من حسابات المشتركين الفارغة أصلاً، وبالتالي، المشروع أضحى فارغاً من مضمونه. وقبل إقرار القانون، التفت بعض أعضاء اللجنة العاملة على صياغته للثغرات، وطلبوا إدخال تعديلات عليه بغية تأمين التمويل. وأبلغوا النواب، أعضاء اللجان النيابية، ملاحظاتهم، إلا أنّ القانون أقرّ بكل مشاكله، «كي لا ينفذ»، يقول سلامة.
وفي سياق متصل، رأى سلامة أنّ النص المقر «مليء بالسخافات»، وسأل عن كيفية تعيين اللجنة المشرفة عليها، والدراسة الاكتوارية لمعرفة التكاليف. فـ«النظام الحالي عدّ 70% من الأجراء ضمن شريحة المستفيدين من الحد الأدنى من المعاش التقاعدي البالغ 40% من متوسط الأجور». كفل النظام تمويل معاشات هؤلاء، من الذين لم يجمعوا الكثير من الأموال من اشتراكاتهم، للدولة التي وصفها سلامة بـ«المفلسة». وقارن بين لبنان وفرنسا، حيث يخدم العامل 42 سنة ويصل الى عمر 62، ليستحق معاشاً قيمته 50% من متوسط الأجور، في حين تقرّر إعطاء القيمة ذاتها لمن خدم 15 سنة في لبنان.
في المقابل، يتفاءل كركي بإقرار النظام، مشيراً إلى أنّ المجلس النيابي أخذ بـ«معظم الملاحظات التي أبدتها إدارة الضمان، باستثناء عدم العمل بالنصاب القطاعي الذي يفرض حضور أكثرية أعضاء القطاعات (الدولة، العمال، أصحاب العمل) لتمرير قرار بالتصويت في لجنة إدارة نظام التقاعد. أما المعتمد الآن، فيمرّ القرار بالتصويت الذي يعاد بعد أسبوعين لإتاحة المجال للنقاش».
من جهة، «أزيل حاجز 30 سنة لاحتساب النسبة الأعلى من المعاش، إذ ليس من العدل أن يتقاضى من عمل 40 سنة معاشاً تقاعدياً موازياً لمن عمل 30 سنة». ووفقاً للتعديلات، يحصل المتقاعد على معاش قيمته 1.33% من متوسط الأجور عن كل سنة عمل، وفي حال بلغ الحد الأقصى من سنوات العمل، أي 40 سنة، يتقاضى معاشاً قيمته 53.2% من متوسط الأجور.
كما طمأن كركي إلى «عدم وجود إعفاءات من أموال التسويات»، و«إمكانية انضمام أيّ لبناني إلى النظام الجديد بشكل اختياري». ومن جهة أخرى، لن يأخذ القانون مسار التنفيذ قبل صدور حوالي 10 مراسيم تطبيقية عن الحكومة، بالاشتراك مع مجلس إدارة الضمان. وتهدف المراسيم إلى تحديد نسبة الاشتراكات، وكيفية توزيعها بين الأجير وصاحب العمل.