لعلّ الدليل على صعوبة الأزمة التي تواجهها الثورة المصرية أنّ 2011 انتهى ولا يزال «التلفزيون المصري» يتكلم اللغة نفسها التي كان يستعملها بداية العام، محذِّراً من «البلطجية»، و«المؤامرات»... لسخرية القدر، فإن «ماسبيرو» يودّع العام محذِّراً من دعوات التظاهر في 25 كانون الثاني (يناير) 2012، تماماً كما كانت الحال قبل عام. أما الحجة هذه المرة، فهي أن التجمّع الشعبي في 25 يناير هو «مؤامرة تحدّد موعدها في الذكرى الأولى لثورة يناير».
على أي حال، بما أن أي تغيير حقيقي لم يلحق بالعقلية التي تدير التلفزيون الرسمي، ليس متوقعاً أن يتعلّم القائمون عليه الدرس، لكن الكذب لا يمنع القدر، و«المواطنون الشرفاء» الذين يصدّقون التلفزيون الحكومي لا يمكن احتسابهم في المعادلة السياسية، فيما الثوار لا يشاهدون آلة الكذب المسمّاة «ماسبيرو». المبنى العريق الذي تأسس عام 1960، بلغ ذروة «إبداعه» في 2011، حتى إن ناشطين تبادلوا صورة له بعد تحويرها، ليظهر على شكل أفعى يمتد لسانها المشقوق في سماء القاهرة. جاء ذلك بعد أحداث 9 تشرين الأول (أكتوبر) التي سُمِّيت، للمفارقة، «أحداث ماسبيرو»، بما أن عشرات المتظاهرين الأقباط لقوا مصرعهم، تحت مبنى التلفزيون. مع ذلك، لم تنقل القنوات الرسمية ما جرى، بل أسهمت في التحريض الطائفي. أثبت «ماسبيرو» أن العقلية الحاكمة في مصر تمتلك خبرة الأنظمة القديمة، فأول ما سعت إلى حمايته إبان الثورة المصرية، كان مبنى التلفزيون.
ينتهي العام في مصر إذاً بوزير إعلام جديد هو أحمد أنيس، بعدما بدأ بوزير آخر هو أنس الفقي، الذي يقبع حالياً في السجن. والحق يُقال فإنه لا فرق حقيقياً بين «ماسبيرو» تحت قيادة الفقي وأنيس، اللهم إلا في استقبال بعض المعارضين الحقيقيين. وباستثناء ذلك، فإن رسالة التلفزيون الرسمي واحدة: التحريض ضد الثوار، مع تبنّي رواية السلطة الحاكمة اليوم.
وإن كان دور التلفزيون الرسمي مفهوماً، فإنّ دوراً أكثر خبثاً تمارسه قنوات خاصة افتتحت أخيراً. إنها مجموعة «سي. بي. سي.» التي دار جدل حول مصدر تمويلها، وخصوصاً أنها ضمّت أكبر عدد من «إعلاميي الفلول»، الذين غادروا «التلفزيون المصري». ونجح هؤلاء في تقديم إداءٍ متميّز شكلاً، وخبيث مضموناً، إذ يضعون ميدانَي «التحرير» (معارض للمجلس العسكري) و«العباسية» (مؤيّد) على قدمَي المساواة. في المقابل، انحازت قنوات «أون تي في» و«التحرير» و(نصف) «دريم»، إلى الثورة. أما «الإخوان المسلمون»، فامتلكوا للمرة الأولى محطة هي «مصر 25». وسط ذلك، بقيت قناة «25 يناير» التي تحاول تقديم إعلام حيوي.
إذاً في وقت يهدف فيه «ماسبيرو» إلى تخويف جمهور المنازل من الثورة، ويستهدف الإسلاميون أصوات ذلك الجمهور، تحاول القنوات الثورية توعيته وكشف أكاذيب السلطة. أما شباب الثورة، فلا وقت لديهم لمتابعة ذلك، بل يجلسون في الميدان غالباً، ويستعملون إعلامهم الجديد والتكنولوجيا الحديثة التي تنتمي إلى مستقبل لا يزال غامضاً.