بدأت الصورة في مكتب «الجزيرة» في بيروت تتّضح. بعد استقالة غسان بن جدّو من إدارة المكتب، بات مالك المولَوي الاسم الأوفر حظاً لخلافته. وهذا الأخير هو ابن الأمين العام السابق لـ «الجماعة الإسلامية» في لبنان الراحل فيصل المولوي، كما أنّه يعمل «الجزيرة الوثائقية». وفي حال تسلّم المولوي المنصب، فإن هذه الخطوة لن تفاجئ كثيرين، إذ يتردّد أن المدير العام للمحطة وضاح خنفر، حاول منذ تسلّمه منصبه الجديد، تعزيز سطوة الإسلاميين في المحطة.
وهو بدأ من داخل مكاتب الدوحة، ليصل إلى مراكز القناة في مختلف العواصم العربية: من القاهرة إلى تونس. وإن كان العاملون في المكتب التونسي مقرّبين من الإسلاميين، فإن مكتب القاهرة يبدو «مركزاً من مراكز جماعة الإخوان»، حسب إعلامي من داخل المحطّة. ويشير الأخير إلى الاتهامات التي وجّهت أخيراً إلى قناة «الجزيرة مباشر مصر»: «من يشاهدها يظنّ أنها قناة تابعة للإخوان، وهو أمر طبيعي نظراً إلى نسبة العاملين فيها ممن ينتمون إلى الجماعة». ولعلّ ما يعزّز هذه الأخبار تغطية إحدى التظاهرات المصرية التي حصلت قبل شهر ولم يشارك فيها «الإخوان»، «حيث تحدّثت المحطة عن هذا التحرك بلغة سلبية جداً، واستضافت طيلة اليوم أعضاءً في الجماعة شتموا المتظاهرين».
وكانت مذيعات «الجزيرة» الأربع المستقيلات (جمانة نمور، ولينا زهر الدين، ونوفر عفلي، ولونا الشبل)، قد تحدّثن عقب مغادرتهنّ المحطة عن تضييق كبير تعرّضن له، وصل حدّ انتقاد ملابسهنّ وطريقة تصرفهنّ... وهو ما فُسِّر وقتها على أنّه من علامات سيطرة الإسلاميين على المحطة. ويتوقف إعلامي آخر عند ارتفاع عدد العاملين في المحطة ممن ينتمون إلى تيارات إسلامية، مثل أيمن جاب الله، الذي يتمتّع بسلطة تنفيذية كبيرة في القناة «ولا تقرّبه من وضاح خنفر سوى الخلفية الأيديولوجية»، حسب المصدر، كما يشير إلى توظيف مجموعة من التوجّه نفسه في الأقسام الإدارية مثل قسم شؤون الموظفين، فهل كان وضّاح خنفر هو من اختار المَولوي لهذا المنصب؟ يجيب أحد العارفين بكواليس المحطّة إن «خنفر ليس المقرّر الوحيد، لكنّه يتمتّع بسلطة كبيرة في اختيار رؤساء المكاتب، والأرجح أن له اليد الطولى في تزكية مالك المولَوي لرئاسة مكتب بيروت، إن كان الخبر صحيحاً».
إذاً اسم مالك المولوي مطروح لخلافة غسان بن جدو في إدارة مكتب بيروت. وهو المكتب الذي شهد في السنة الأخيرة خضات، منها مغادرة عباس ناصر، ثم استقالة بن جدّو، ليستمرّ بعدها عمل المكتب من دون وجود مدير له. ويتردّد أن «الجماعة الإسلامية» هي التي قامت بالمبادرة من خلال فتح قنوات اتصال مع خنفر بعد استقالة بن جدّو، لتتسلّم إدارة المكتب «بما يتناسب مع خطّ الفضائية القطرية حالياً»، لكنّ مصدراً مقرباً من «الجماعة الإسلامية» في لبنان، ينفي أيّ علم للتنظيم بهذا الأمر «أقلّه لم يرد مثل هذا الأمر قبل أسبوع من اليوم». ويروي المصدر أن المولوي سبق أن عرض العمل إلى جانب بن جدو في المكتب، لكن ذلك لم يتحقق له في السابق.
هل هي مجرّد شائعة أم بالون اختبار؟ يطرح مراقبون علامات استفهام عدة حول إمكان تسلّم مالك المولَوي مكتب المحطة في العاصمة اللبنانية، لكنّ التساؤلات تذهب في اتجاه الطريقة التي ستغطي بها القناة الشأن اللبناني، وخصوصاً في المرحلة المقبلة، أي بعد صدور القرار الاتهامي في قضية اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري، وفي ظل التهديدات الإسرائيلية المستمرة بشن عدوان جديد على لبنان: هل تحافظ المحطة على الخط الذي تميّزت به خلال عدوان تموز 2006؟ أم أن تغطيتها ستكون مشابهة لتغطية أحداث البحرين (التجاهل والطمس)، والاحتجاجات السورية (المبالغة والتحريض)؟ وهل طرح اسم المولوي مجرّد فقّاعة إعلامية، تختبر رد فعل الشارع العربي واللبناني؟
أسئلة كثيرة معلّقة بانتظار قرار إدارة الفضائية القطرية بتعيين مدير جديد للمكتب اللبناني، لكن الأكيد أن نفوذ الإسلاميين يتصاعد في المحطّة. هذا ما أكّده وضاح خنفر خلال «منتدى الشباب والتغيير في العالم العربي: أسئلة الحاضر ورؤى المستقبل»، الذي عُقد في نهاية أيار (مايو) الماضي. قال المدير العام للمحطة يومذاك، رداً على أسئلة المشاركين، إن المحطة «لو كانت موجودة في الستينيّات والسبعينيّات، لكان التيار السائد في أروقتها هو القومي العربي... أما اليوم، فهناك لحظة تاريخيّة فيها مفردات ووقائع جعلت التيار الإسلامي يفرض نفسه».



قناتان جديدتان

فضائيتان تنطلقان من لبنان قريباً. غسّان بن جدو سيعلن عن قناته الفضائية التي وصفها بـ «منبر سياسي يعمل بمهنية عالية» في غضون أسابيع. أما القناة الثانية، فيملكها المنتج والمخرج اللبناني بودي معلولي مع أحد رجال الأعمال التونسيين وشركاء لبنانيين. وفي اتصال مع «الأخبار» أعلن معلولي أن قناته لا علاقة لها بمحطة بن جدو الجديدة، كما أوردت بعض وسائل الإعلام، مشيراً إلى أن التلفزيون بـ «نكهة تونسيّة منوعة»، وينطلق مطلع العام الجديد، من استديوهات شركة «نيولوك بروداكشن». ويعقد معلولي مؤتمراً صحافياً لإعلان المشروع بعد شهر. وستضم المحطة التي تخاطب جمهور المغرب العربي، مذيعين ومراسلين تونسيين وفنّيين لبنانيين.