تونس | رحل محمود درويش (13آذار/ مارس 1941 ــ 9 آب/ أغسطس 2008) قبل أربع سنوات، لكنّه لم يغادر تونس التي ما زالت تحنّ إليه وإلى كلماته وتتذكر دموعه في المسرح البلدي عام ١٩٩٥ حين ودّعها منشداً «حافظي على نفسك يا تونس سنلتقي غداً على أرض أختك فلسطين، نعم، نسينا تلفت القلب، وتركنا فيك خير ما فينا، تركنا فيك شهداءنا الذين نوصيك بهم خيراً». بعد أربع سنوات على رحيله، تذكرت تونس شاعرها الذي تنازعت حبه مع فلسطين، وتوزّع الاحتفال بذكراه بين ثلاث مدن: في زغوان (60 كلم غرب تونس) المعروفة بمعابد مياهها الرومانية والنسري الذي صنع شهرتها في العالم، التقى فنانون وشعراء في حديقة المكتبة العامة وأشعلوا الشموع وأنشدوا قصائد لدرويش، إضافة إلى معزوفات استحضرت روحه العذبة في عرض بعنوان «وردة لفلسطين» صاغ تصوّره الشاعر والمسرحي عدنان الهلالي. هذه الاحتفالية أقيمت بمبادرة من جمعيات أهلية لا تملك من الإمكانات إلا الحلم والرغبة الجامحة في الحياة والدفاع عن الشعر والموسيقى في زمن ترتفع فيه أصوات الغلاة لكتم أمواج البحر والبجع ومصادرة رائحة زهر النسري والياسمين.
التقت «جمعية أحباء المكتبة والكتاب» في زغوان و«جمعية فنون المتوسط» في نابل، و«جمعية الوعي بالمواطنة» في زغوان مع سفارة فلسطين و«جمعية الأخوة التونسية المصرية» لإشعال شموع في ذكرى صاحب «كزهر اللوز أو أبعد» و«عاشق من فلسطين» و«مديح الظل العالي» وغيرها من أعمال درويش التي حفظها التونسيون على مقاعد الثانويات والجامعات. الاحتفاء بدرويش ليس حكراً على مدينة النسري. نظمت صفاقس أمس سهرة احتفائيةً بالشاعر ضمن فاعليات «مهرجان صفاقس الدولي». هنا، احتفت فرقة «مسار» بقصائد درويش وأغنيات مرسيل خليفة. أما غداً الأحد، فسيكون درويش حاضراً في المسرح الروماني في قرطاج مع «ثلاثي جبران» وشعراء تونسيين في سهرة مهداة إلى روحه. هل رحل درويش فعلاً؟ قد يكون رحل، لكنّه سيحيا في الموت، فـ«مرة نموت في الحياة، ومرة نموت عند الموت»، أسباب الموت كثيرة، ومن بينها وجع الحياة. ودرويش قتله هذا الوجع. لكنّ تونس ما زالت تذكره وتتذكر دموعه في المسرح البلدي عندما أنشد: «شكراً لتونس. أرجعتني سالماً من حبها، فبكيت بين نسائها في المسرح البلدي حين تملص المعنى من الكلمات. كنت أودع الصيف الأخير كما يودع شاعر أغنية غزلية، ماذا سأكتب بعدها لحبيبة أخرى... إذا أحببت؟» رحل درويش وفي قلبه شيء من تونس!