تونس | بعد سنوات من فقدان مبدعيها حقّ التعبير الفنّي، تعيش تونس حالة من «الانفلات» الإبداعي في مجال الكوميديا في شهر رمضان. الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي بات الشخصية الرئيسيّة في معظم البرامج الكوميدية على الفضائيّات والإذاعات التونسيّة، وكذلك الشخصيات السياسية الجديدة التي أصبحت محل تندر ونقد لاذع من الكوميديين وبرامجهم في شهر الصوم.
اختارت القنوات المحلية الثلاث الخاصة، «التونسية» و«نسمة» و«العالميّة»، الطبقة السياسيّة الجديدة لتكون موضوعاً لبرامج شبيهة بالبرنامج الفرنسي الشهير Les Guignols de l›info على +Canal. «العالمية» التي تدخل لأول مرة مغامرة رمضان تعرض البرنامج الهزلي «طرطوريات»، وتقدم فيه على نحو كاريكاتوري عدداً من الرجال التونسيين في السياسة والمال والرياضة، مثل الرئيس محمد المنصف المرزوقي، ووزير الرياضة ونجم الكرة التونسية طارق ذياب، والملياردير سليم الرياحي رئيس «النادي الأفريقي» ورئيس «حزب الاتحاد الوطني الحر»، وحمادي المؤدب رجل الأعمال الشهير ورئيس نادي «الترجي الرياضي التونسي»، وغيرهم.
أما «نسمة» و«التونسية»، فتتنازعان على تقديم سلسلة الـ Guignols التي سمّتها الأولى «غينيول المغرب العربي»، فيما سمّتها الثانية «القلابس» (الاسكتشات). وقد تطوّرت المنافسة بين المحطتين إلى نزاع قضائي، حيث رفعت «التونسية» دعوى ضد «نسمة» والشركة الفرنسية الفرنسية Zik Zak التي باعت المنتج نفسه مرتين، فيما رفعت «نسمة» دعوى مماثلة.
وتتنافس الفضائيات التونسية على تقديم كوميديا ذات طابع سياسي خالص. تقدم القناة الرسميّة الأولى يوميّاً برنامج كاميرا خفية بعنوان «سياسي في الفخ»، تستضيف في كل حلقة منه أحد السياسيين في حوار يتعرض فيه لمواقف غريبة لمعرفة ردود فعله على أحد المواضيع. وكان من بين «ضحايا» هذا البرنامج الشيخ عبد الفتاح مورو، الزعيم التاريخي لـ «حركة النهضة»، وعضو «المجلس التأسيسي» الطاهر هميلة المعروف بمواقفه الجريئة من كل الطبقة السياسيّة القديمة والجديدة، وكذلك سمير الطيب عضو «المجلس التأسيسي» والناطق الرسمي باسم «حزب المسار الاجتماعي الديموقراطي» وغيرهم.
أما القناة الرسمية الثانية، فقد اتخذت من موضوع بطالة أصحاب الشهادات العليا، الذين فجروا الثورة التونسية، موضوعاً لبرنامج هزلي يومي بعنوان «باي باي بطالة». بدورها، اختارت القناة الجديدة «الجنوبية» إنتاج سلسلة هزلية بعنوان «مقهى المكسيك». ومن خلال حلقاتها الأولى، يبدو أنها ستكون مفاجأة الموسم الرمضاني: على مدى ثلاثين حلقة، يلتقي الرؤساء الأربعة المخلوعون زين العابدين بن علي وحسني مبارك ومعمّر القذافي وعلي عبد الله صالح في «مقهى المكسيك»، الذي تديره نجمة «مسرح الجنوب» في قفصة في السبعينيات لطيفة القفصي. وهناك يتبادل المخلوعون النقاش حول مسيرتهم السياسية ورؤيتهم لما يحدث في بلدانهم اليوم في إطار كوميدي. وفي السياق ذاته، تقدم قناة «هنيبعل» حلقات رمضانيّة من برنامجها الاجتماعي الشهير «المسامح كريم»، الذي يستضيف فيه المذيع عبد الرزاق الشابي الرئيس «دمية» الذي يشبه الرئيس المخلوع بن علي، ويحضر معه الناشطون السياسيون الذين لاحقهم خلال سنوات حكمه.
هكذا يعيش التونسيون ليالي رمضان مع قنواتهم المحليّة التي أعادت إليهم صورة بن علي، لكن كشخصية للتندر والسخرية هذه المرة بعد سنوات من الخوف والصمت، يأملون أن تكون قد انطوت من دون رجعة.