الفصل الأخير من مصرع: محمد العبدالله | «من كلّ بدّ ستفطسُ في ساعةٍ ما بعدَ عمرٍ طويلْ
إذنْ أيُّها الفتى اليعرُبيُّ الجميلْ
لا شيءَ ضروريٌّ سوى الضروريّ
كأنْ تسكتَ عندَ سماعِ الموسيقى
وتسدّ فمكْ
كأنْ، عندَكَ شيءٌ من الذَّوْقِ
فتمْرَحَ شيئاً منَ الطّرَطورِ
فوقَ السّمَكْ
لا شيءَ ضروريٌّ
سوى أن تخجلَ فتلوّح عندَ الرحيلِ
للقافلهْ...»
(بعد قليل من الحبّ، بعد الحبّ بقليل، 1994)
حين تعرفتُ الى الشاعر محمد العبدالله ، لثلاثين سنة خلت، ربما في أحد مقاهي الحمرا، كان صوته الأجشّ يدلّنا، نحن النازلين الى المدينة بعد طول إقامتنا خارجها، على مواطن الافتتان فيها. وكان كتابه «حبيبتي الدولة» الصادر عام 1986، أول إعجابنا بذلك الذي أعلن شعاراً مخالفاً للنزوع الثوروي المراهق.
وكان بمثابة الصرخة الأولى التي يطلقها المثقّف والشاعر حيال الخراب الذي عمّ الناس والأحياء جرّاء حروب الأحياء والزواريب في حينه.
ثمّ عرفناه شاعراً، في كتبه: «رسائل الوحشة»، و«بعد نبيذ أحمر، بعد خطأ كبير»، و«جموع تكسير»، و«تانغو» وغيرها. لا يكاد محمد العبدالله يتّكئ على مصدر، في ما كتبه من شعر. ولا يهمّه أن يُنسب الى مدرسة أو تيّار أدبي. كان يكتب الشعر الحرّ «كيفما اتّفق»، بالنزوة التي تدفع اللحظة الشعرية الى الإطلالة من حجرها، وبفنّ المداراة والتقاط الصورة الجانبية في كلّ ملمح أو مشهد من مشاهد الحياة الحيّة التي جعلها مادّة الشعر. وكأنّ قماشة الشعر لديه من الحياة، مدوّنته، مخزونه الذي لا ينضب («شاسع جمالكِ/ كصبيّ يحاول السباحة على اتّساع البحيرة»)، مكانه الجوهريّ الذي ما وني يفتّش عنه، وعن حبيبته المفتقدة أبداً، ولم يبلغهما. رومنسية العبدالله، بل طراوته في لقيّاته الشعرية التي لا يتعب في تقليبها لإخراج فتنته من صدره، نظير ساحر كثير الإيمان، بحرفته، وقليل الحيلة إزاء ما يحاصره ويؤلمه ويبقيه قيد الذوبان، سكَراً وعزلةً وتفانياً من الداخل، هما ما سوف يجعلاننا نتأمّل طويلاً إثر إقامته الطويلة بيننا.
ألا تفتقده العامّية اللبنانية كذلك؟ محمد العبدالله، أتراه «قمر الربيع» يرتجف بعد أو ينتظر؟