لعل لبنان هو البلد الوحيد في الدنيا الذي يمكن أن يفتتح رئيس جمهوريّته برنامجاً من عيون تلفزيون الواقع. التقليد الذي أرساه «الزعيم» سابقة فريدة من نوعها. حين يأتي من يؤرّخ لانهيار الدولة، سيتوقّف مليّاً عند هذا الاختراع الذي تمتلك «الجديد» اليوم براءته، ألا وهو الماركتينغ الرئاسي. الناس في الشوارع يطالبون بحقوقهم فيهدّدهم أصحاب رأس المال بانهيار النظام الاقتصادي، وتدعوهم الحكومة إلى دفع فاتورة الإدارة السيئة والفاسدة منذ عقود.
البلد على أبواب أزمة كيانيّة، وأباطرته يدرسون الوسيلة الأفضل لإعادة اقتسام «التورتة». الجيش اللبناني عاجز عن «ضبضبة» بضعة قتلة امتهنوا هيبة الدولة في مملكة الطوائف. وزير الداخلية يرتعش من النشوة لمرأى المهرّج الملتحي في دور الكاوبوي أمام كاميرا التلفزيون… وفي تلك الأثناء، رئيس البلاد على «الجديد» يطلق برنامج Reality TV، ويلقّن المرشّحين الـ15، ومعهم الشعب اللبناني، درساً في المناقبيّة والديموقراطيّة… الرئيس الذي حذّر من «الشعبويّة»، عاد فاستنجد بـBeppe Grillio صاحب الـ٢٥ في المئة في الانتخابات الايطاليّة، دليلاً على إمكان الخروج من دائرة العقم السياسي. مهلاً، أليس الكوميدي المذكور أبلغ تجسيد للغوغائية والشعبوية في زمن الأزمة الاقتصادية؟ وأتى عاصي الحلاني ليرسّخ تلك النزعة: هوبرة ولبنانولوجيا وديماغوجية تحوّل الوطن إلى فولكلور أجوف. لا يمكن أن نتخطى الحد الذي تمليه علينا مبادئنا من احترام رأس الدولة وحارس كيانها والمؤتمن على مستقبلها. لا نريد أن نتسرّع في الحكم على إنتاج ضخم وضعت «الجديد» كل رهاناتها عليه، وأعطت فيه لرئيس تحريرنا دوراً نقدياً يلمع فيه بامتياز، علماً بأن المحطة الذكية في خياراتها، حوّلت قبل أيام معركة الزواج المدني إلى كرنفال تسويقي آخر. كلا أيّها السادة! السياسة القائمة على مبدأ المواطنة، والأفكار والبرامج الانتخابيّة، هي أكثر من استعراض تلفزيوني. التلفزيون حرّ في تنظيم استعراضه كما يشاء، لكن إلى أي مدى يحقّ له أن يسطّح المبادئ، ويلعب بالحياة العامة؟ هل الملكة كريستين ـــ غاربو ـــ داليا أحمد جادة حين تقول لنا إن «الزعيم» الفائز سيترشّح فعلاً للانتخابات النيابيّة؟ هل الحياة السياسيّة اللبنانية لا تكفيها مصائبها لتستباح من قبل تلفزيون الواقع، وتوظَّف ديكوراً له، وكومبارساً في همروجته؟
المقلق في البرنامج العالق بين كليشيهي «المقاوم» و«السوبر مودل»، هو هذا الالتباس غير الصحي بين الاستعراض والواقع، وحضور رئيس البلاد ساعد على هذا الخلط. لوهلة لا يعود المشاهد ـــ المواطن يعرف أين يقف: أمام لعبة استعراضية تستوحي الواقع، أم في الأغورا السياسيّة التي تطال حياته وسعادته وحقوقه ومستقبله ووجوده؟ في الماضي قيل إن «ستار أكاديمي» سيأتي للعرب، من تحت الطاولة، بثورة جنسيّة فشل المجتمع في مقاربتها فوق الطاولة. هل تتسرّب عدوى الديموقراطيّة إلى اللبنانيين… من تحت طاولة «الزعيم»؟ لننتظر ما تخبّئه الحلقات المقبلة.