تونس ـ «الأخبار» رحلة رجاء بن سلامة (1968) مع التغيير والدفاع عن تونس العلمانية تمتدّ إلى ما قبل الثورة التونسيّة في كانون الثاني (يناير) 2011. في مؤلّفها «في نقد إنسان الجموع» (دار الطليعة) الصادر عام 2009، انتقدت المناضلة التونسيّة النخب العربية التي تساير ثقافة الجموع وتديّنها، متطرّقة إلى أوبئة كثيرة تعاني منها المجتمعات العربية.

بن سلامة التي لا تزال تستكمل عملها الأكاديمي في «كلية الآداب والعلوم الإنسانية» في منوبة، وتواصل نشاطها في نشر ثقافة حقوق الإنسان والمواطنة، تمثل اليوم أمام قاضي التحقيق في المحكمة الابتدائية في العاصمة التونسية في قضية رفعها ضدها رئيس لجنة صياغة الدستور عن حركة «النهضة» الاسلامية الحبيب خضر، على خلفية انتقادات وجهتها له. هذه المرة، خرجت الكاتبة على قناة «حنبعل» التونسيّة لتتهم ممثّل حركة «النهضة» بتحريف محتوى الفصل 26 من مسودّة مشروع الدستور المتعلق بحرية الرأي والتعبير والإبداع. قارنت بن سلامة بين صياغته الأولى التي اتفقت عليها اللجنة التأسيسية للحقوق والحريات، وبين الصياغة الثانية التي تمّ اعتمادها في مسوّدة مشروع الدستور. لم يرضَ الحبيب خضر بأن يمرّ هذا التصريح مرور الكرام، ما دفعه إلى التقدّم بشكوى ضدّ الكاتبة لدى «المحكمة الابتدائية» في تونس قبل أن تتمّ إحالتها على مكتب التحقيق بتهمة «نسب أمور غير قانونية إلى موظف عمومي متعلقة بوظيفته عن طريق وسيلة إشهارية من دون الإدلاء بما يثبت ذلك». ليست هذه المعركة الأولى التي تخوضها الباحثة من أجل الحرية والاختلاف. خلال العام الماضي، وصل الأمر بالسلفيين إلى حد هدر دمها والمطالبة بشنقها في ساحة «الباساج» في قلب العاصمة.
خبر مثول بن سلامة أمام المحكمة دفع جمعيات المجتمع المدني والمنظمات الأهلية إلى إصدار بيانات تضامنية تطالب بـ«الكف عن الزجّ بالقضاء في النقاشات الفكرية والدينية والفلسفية والسياسية، وإلى مقارعة الحجة بالحجة في إطار حوارات هادئة». وقد انطلقت جمعيات «بيتي»، و«الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات»، و«دستورنا»، و«تونس أمانتي» و«جمعيّة آدم للمساواة والتنمية» و«مساعدة عميقي الإعاقة بالبيت» من حرية الرأي والتعبير باعتبارها «أحد أهم مكاسب ثورة 14 جانفي» ومن «أبرز مقتضيات المواطنة المشاركة في الشأن العام بإبداء رأي نقدي في السياسات العمومية وفي النصوص القانونية وفي مشاريعها». لكنّ القوى التكفيرية تمتلك مهارة الترهيب بقدر امتلاكها لمهارة تحريف مسار الثورة التي ما فتئت مكتسباتها تتراجع مع تولّي «النهضة» شؤون البلاد. بعد تعديات كثيرة على مثقفي تونس آخرهم رجاء بن سلامة، طالبت هذه الجمعيات بــ«وضع حدّ لازدواجية المعايير» في القضاء، داعية إلى «احترام المثقفات والمثقفين بإيلائهم المكانة التي يستحقونها في المجتمع».