في ألبوم الفنانة اللبنانية هبة طوجي الجديد «بعد سنين» (2023) الذي يضم 13 أغنية، تتبدّى تجربة فنية حديثة، بعضُها مغاير ورائع، أفضى إليها التراكم الكمّي في التناغم الممتدّ بينها وبين المبدع أسامة الرحباني وعددٍ من الأسماء والمواهب والطاقات والمتمرّسين والمحترفين الذين أسهموا في إنجاح العمل. تعاون أسامة وهبة مع «يونيفرسال أرابيك ميوزيك»، علماً أنّ الألبوم يصطبغ بالتنوّع والتجدّد والرقيّ، وبالألوان الموسيقية المتباينة الزاخرة والطافية. تعاون الفنانان مع أشخاصٍ في الولايات المتحدة الأميركية على صعيد الاستديو والإنتاج وفي فرنسا، علماً أنّ أسامة هو المنتج الفني للعمل (معنى «المنتج الفني» هنا مجترِح مفهوم الألبوم الفني).
يضمّ ألبوم هبة طوجي الجديد 13 أغنية ضمن تجربة فنية حديثة

ثمّة محطّاتٌ غنائية لافتة جداً مثل أغنية جاك بريل La Chanson des vieux amants (بعنوان «بحبّك لآخر يوم») في كلماتٍ باللهجة اللبنانية (غدي الرحباني)، وقد تحصَّلا على الحقوق والموافقة من ابنة بريل ومؤسّسته كما أخبرنا أسامة الرحباني.
من أبرز أغاني الألبوم «راجعٌ من رماده الفينيقُ» حيث يبرز صوت العظيم منصور الرحباني يتلو شعره تلاوةً موشّاة تلقائياً بالفخامة والأصالة العتيدة: «وطني ما نويتُ هجركَ إلا أرجعتْني عفواً إليكَ الطريقُ، ههنا نحنُ لن نزولَ فنحن الصخرُ والبحرُ والزمانُ العتيقُ»... تنغيم الشعر يتدثر بالتضادّ الدلاليّ المتعمَّد فنياً «دِيَاسيميائياً» Diasémiotique مقارنةً بالشعر وفي «ترجمته» موسيقياً، وقد أكّد لنا أسامة أنّ الأمر مقصود.
اكتشاف المستمع المتذوّق للأغنية الأخيرة الرهيبة بعنوان «قصّة حُبّ» متعة سمعية وإستيطيقية، لا سيما أنها تلامس في مواضع محدَّدة طيف الإعجاز على مستوى الأداء والصوت. هكذا أبدع أسامة وهبة طوجي في تحليقٍ موسيقي وغنائي رفيع الوقْع في المسامع مثّلَ مسْك الختام وبلغ سدرة المنتهى. يصف أسامة هذه الأغنية التي تمثل مفاجأة الألبوم بـ«كونشرتو للصوت» (بالمعنى المجازي الذي يكتنف أيضاً جزئياً التكثيف والاختزال العصريّ الخفيف في الدلالة الغنائية). إنها محفوفة باللهو الشقيّ والجنون الإبداعي، وبالفرح والتجاذب والمهارة الغنائية الفائقة، وبتقنيّات الصوت و«الشِّيَة» من «البيانيسّيمو» إلى «الفورتيسّيمو» Fortissimo، وبمناخ «الغوسبل» والجاز والبلوز، وبنفَس أسامة المؤسلَب، وبالـMajeur الشرقي (وفقاً لتوصيف المؤلّف)، ما يوازي في مفهومنا العربي مقام العجم المعروف، وبالسلطنة الموسيقية. نقدياً، يمكن اعتبار أغاني الألبوم الأخرى بمثابة مقبِّلات ومنوَّعات متفرّقة أمام الوجبة الرئيسة للتأليف الموسيقي المركَّز لصوت هبة ومداه الأوسع ومساحته وخصائصه وإمكاناته وشطحاته في البراعة، المتمثل هنا في «قصّة حُبّ».
ثمّة محطّاتٌ غنائية لافتة مثل أغنية جاك بريل La Chanson des vieux amants


في مقابل هذا الثقل المجنَّح القيّم، ثمة أغانٍ خُفّف دسمها نسبياً أو إلى أقصى مدى أحياناً لتلامس الرائج في السوق العربية وتحاكي أمزجة الشباب وأجواءهم الدارجة راهناً.
من أغاني الألبوم نذكر: «لو نبقى سوى» Que sera sera مع لويس فونسي (كلمات أسامة الرحباني ولويس فونسي)، و«بعد سنين» (كلمات نور الدين محمد، ميلوديا: «نيس» Niis ، موسقة أسامة الرحباني، وإنتاج أسامة وجورج قسيس)، و«حبيبي خلص» (كلمات أنطوني خوري، موسيقى أنطوني خوري وأسامة الرحباني)، و«عَ بالي» (كلمات كمال قبيسي، موسيقى وإنتاج أسامة الرحباني)، و«سلامات يا هوى» (كلمات جاد خوري، موسيقى «نيس» وأسامة الرحباني)... إضافةً إلى «زمان» (كلمات غدي الرحباني، موسيقى أسامة ومروان الرحباني)، و«صار أحلى الكون» (موسيقى إبراهيم معلوف، وهبة طوجي، وBrice Rivallin)...