«هذا الفيلم مخصّص لجميع الأخوة والأخوات الذين سئموا الرجل الأبيض»، هكذا يبدأ فيلم Sweet Sweetback’s Baadasssss Song للمخرج الأميركي ميلڤين ڤان بيبلس (1932 ــ 2021). ما زال هذا الفيلم إلى اليوم الأكثر تأثيراً في مسيرة المخرجين السود. شريط يحكي قصة رجل أميركي من أصل أفريقي يفرّ من السلطات البيضاء، بعدما حاولت تحميله وزر جريمة لم يرتكبها. هرب إلى الأحياء الخفية حيث ينعدم القانون مع سائقي الدراجات وعاملات الجنس والهيبّيين، وحيث لعبة «أقتل أو تقتل» هي سعي للتحرر من الاضطهاد الأبيض. الفيلم كان صدمة ثقافية، انسحب بسببه ڤان بيبلس من عقده مع شركة «كولوبيا» من أجل إنتاج الفيلم بشروطه الخاصة، فكان المنتج والمخرج والكاتب والملحّن والنجم. كما أدار عملية المونتاج. تم تصوير الفيلم في 19 يوماً فقط وسط صعوبات كبيرة عام 1971. عمل سياسي من أوائل الأفلام، إن لم يكن الأول، الذي صوّر بطلاً أميركياً من أصل أفريقي فائزاً في النهاية. قالها ڤان بيبلس «أردت أن أصنع فيلماً ناجحاً حيث يمكن للسود أن يخرجوا منه ورؤوسهم مرفوعة». وفي «تتر» النهاية، لم يكتب طاقم التمثيل بل «المجتمع الأسود». حقق الفيلم نجاحاً باهراً، محرزاً أكثر من 15 مليون دولار في حين بلغت كلفته 150 ألف دولار فقط، مما جعله الفيلم المستقل الأكثر نجاحاً مالياً إلى اليوم.قبل هذا الشريط، صنع ڤان بيبلس ثلاثة أفلام قصيرة، وفيلماً طويلاً (1970) يحمل اسم «قصة مرور ثلاثة أيام»، يحكي قصة جندي أميركي أسود خُفِّضت رتبته بسبب صداقته مع امرأة بيضاء خلال إجازته في فرنسا. بعد هذا الفيلم، بدأ غضب ڤان بيبلس، وأصبح عدوانياً وظل كذلك حتى النهاية. فيلمه التالي «ووترميلون مان» (1970) عن بائع بوالص تأمين أبيض يستيقظ ذات يوم ليجد أن لون بشرته أصبح أسود! بات يُعامل بعنصرية وتمييز، وأصبح ضحية سلوكيات كان هو نفسه يمارسها ضد الرجل الأسود. بعد هذا الفيلم، انسحب من شركة الإنتاج لأن لا أحد يريد أن ينتج فيلماً عن قاتل شرطي، فكان Sweet Sweetback’s Baadasssss Song. بعده لا أحد تجرأ على المسّ بڤان بيبلس. أكمل بأفلام مثل «لا تلعب معنا برخص» (1972) مقتبسة من كتابه ومسرحيته. أخرج 12 فيلماً، معظمها من كتابته وإنتاجه. كان دائماً في حالة تنقّل، رياضياً يمارس الجري كل صباح وهو في الثمانين. هو الكاتب ومنتج مسرحيات برودواي وممثل ورسام وموسيقي وملاح في القوات الجوية وطبعاً مؤسس Blaxploitation (أفلام أُنتجت بشكل مستقل وبميزانية صغيرة بطاقم تمثيل أسود بالكامل. كانت تضخّم قضايا الاستغلال والعنصرية والتوترات العرقية والجنس والمخدرات لتحدث صدمة ثقافية للجمهور).
ولد ميلڤين ڤان بيبلس في شيكاغو عام 1932، بعد تخرجه من الجامعة، أمضى ثلاث سنوات في الجيش، انتقل بعدها إلى المكسيك وعمل كرسّام بورتريه، ثم إلى سان فرانسيسكو حيث كتب قصصاً وصنع أفلامه القصيرة. في هوليوود، لم يعرض عليه سوى وظيفة مشغّل مصعد في استديو. لعن الساعة وذهب إلى هولندا وبدأ دراساته العليا في علم الفيلم، ثم إلى باريس حيث كتب روايات عدة، وعاد بعدها إلى هوليوود وأسس نغمة أفلامه اللاحقة.
فجأة أصبحت السينما السوداء في هوليوود «عصرية». أرادت هوليوود الدخول إلى عالم الرجل الأبيض والـBlaxploitation أنتجت «شافت» و«سوبر فلاس» وغيرهما. لكنّ هذه الأفلام كانت تخاطب الرجل الأبيض، بينما ڤان بيبلس كان ثورياً من الشارع. قدم ملاحظات اجتماعية لاذعة، ابتكر الراديكالية في أفلامه، وأسّس نموذجاً سينمائياً جديداً للاستقلال الإبداعي الأسود. هو «الأب الروحي للسينما السوداء». كانت أفلامه تمثل نقطة تحول في توازن القوى، كانت رؤى ثقافية، «التحرر الحقيقي لا يعني تقليد عقلية المستعمر» قالها ابنه ماريو ڤان بيبلس عن مواقف والده.
واجه ڤان بيبلس التحريف الذي يستخدمه الرجل الأبيض وقال: «هذا التحريف هو لإرباك عقولنا وإفراغها واستعمارنا، كل الأفلام السابقة عن السود قيلت بإيقاع ولغة ونغمة أنغلوسكسونية». غاضب كان ڤان بيبلس. توفى الأسبوع الفائت عشية «مهرجان نيويورك السينمائي» حيث كان مقرراً الاحتفال بالذكرى الخمسين لفيلم Sweet Sweetback’s Baadasssss Song، رحل من وصف نفسه بأنه «روزا باركس الصناعة السينمائية».