عبد الغني طليس
أجمل ما في أغنية «اعتزلت الغرام» لماجدة الرومي أداؤها المتحرك الذي يرقص فرحاً وطرباً، ولحنها الرقراق المركّب بين الصعوبة والسهولة. أما كلام الأغنية فركيك فاقد الحيوية. يبدو أن نزار فرنسيس لم يكن يتمتع بحريته عندما شارك في وضع كلماتها. هو لم يكتب الأغنية أصلاً بل شارك في كتابتها، لأن في تجربته الشعرية الغنائية من الابتكار ما يعصمه من اعتماد كلمات كتلك التي في الأغنية!
أغلب الاعتقاد أن ماجدة الرومي اكتشفت تعبير «أنا اعتزلت الغرام» في لحظة خاطفة، فاتّصلت بملحم بركات عارضة عليه أن يكون التعبير مطلع أغنية. فحمل بركات المطلع الى شاعره المفضّل نزار فرنسيس لإكمالها، ثم أضافت إليها ماجدة بعض الجمل. فيما كان بركات يقترح بعض العبارات التي رآها مناسبة لجوّ اللحن.
هكذا ولدت الأغنية متخفّفة من تناسق الكلمات وشعريّتها، مقرّبة الى العفوية التعبيرية الساذجة أحياناً.
باختصار: كلمات أغنية «أنا اعتزلت الغرام» كانت ذريعة ليس أكثر ليطير ملحم بركات في فضاءات نغمية مدهشة، ثم لتطير ماجدة في فضاءات أدائية مدهشة، وليحصل المستمع على أغنية سيطر فيها هوى المقامات الموسيقية المجنون وهوى الأداء الصوتي المجنون، على كل ما فيها من صور شعريةكانت الأغنية فتحاً جديداً وحقيقياً في تجربة ماجدة الرومي الغنائية. إذ أخرجتها من زاوية كادت تتجمّد فيها من ناحية نوعية الأغاني، وأخذتها إلى موقع أكثر انفتاحاً على الجماليات الشعبية لحناً وغناءً. وبهذا شكّلت الأغنية جواز مرور بهيّ ومشرق من «كلاسيكية» رومية الى «جماهيرية» بركاتية. مع أن ما بين كلاسيكية ماجدة وجماهيرية ملحم، مساحة كانت تبدو بعيدة. ولأن الهوية الفنية اليوم لا تكتمل من دون فيديو كليب، فقد أمسكت المخرجة نادين لبكي أيضاً بيد ماجدة الرومي وحرّرتها من صورتها الجدّية «الرسمية» وأطلقتها في سيناريو راقص، وفي مناخات شعبية عالية المستوى. وفي المحصّلة، شاهد الجمهور ماجدة رومي أخرى، خفيفة، لطيفة، رشيقة، أنيقة، ومحبّة بالبساطة، لا بالعمق الذي كاد يكون مفتعلاً في بعض نتاجها ما قبل الأخير. وقد احتلّت الأغنية في أذهان الناس مكانة متميزة، إذ رأوا فيها نوعاً من الثورة على الذات، وحركة تجدّد ميمونة في شكل المغنية ومضمونها. على أن الأمر الوحيد السيئ الذي لاقته الأغنية هو أنها صعبة الحفظ، وهذا ما لا يمكن المرور عليه من دون تنبّه. نجاح الأغنية ـ أي أغنية ـ يمرّ عبر طريقين: مستواها الجيد، ومدى قدرة الجمهور على تردادها. وأغلب الأغاني في الشرق والغرب حققت النجاح عبر هذين الطريقين. أما في «اعتزلت الغرام»، فلم يحفظ الجمهور منها إلا عنوانها، بالإضافة إلى جملة «لا بدّي تراضيني ولا بدّي تحاكيني»، وكل ما عدا ذلك حطّ خارج الذاكرة. ما ينبغي أن تدركه ماجدة الرومي سريعاً أن أغنية واحدة لا تكفي. ومهما حققت الأغنية من نجاح، وشكلت منعطفاً له دلالات براعة وإتقان وتوهّج، فلا يمكنها أن تختصر الرحلة، بقدر ما يمكن اعتبارها بداية الرحلة. ولا رحلة أصعب من واحدة تضمّ شريكين: مغنّية تعرف أسرار اللعبة، وملحّن يصنع اللعبة... لكنه قد يكسرها في غفلة!