بيار أبي صعب
كنا قد بدأنا نفقد الأمل في مشاهدة “خمسون” في تونس. يوماً بعد آخر، صرنا على يقين أن أحدث تجارب الفاضل الجعايبي وجليلة بكّار، وأنضجها على الأرجح، ولدت ميتة: قد تعرض المسرحية السجاليّة في بيروت أو طوكيو ــ فكّرنا في سرّنا ــ أو في أي مكان آخر من العالم... لكنّ الجمهور التونسي سيحرم منها! لماذا؟ لأن وزير الثقافة التونسي محمد العزيز ابن عاشور، رفض الترخيص لها، لاعتبارات غير موضوعية... وفي كلّ الأحوال غير قانونية. ومسرحية لا تعرض في المدينة التي تشكلت فيها، كأنّها لم تكن أصلاً!
واصلنا التضامن مع أصدقائنا في تونس. فعلنا ذلك من أجل المبدأ، ودعماً لمعنويات فنانين استثنائيين عملوا عاماً كاملاً على انجاز التجربة. لكننا، في قرارة أنفسنا، كنا شبه مقتنعين بأن الجعايبي وصحبه لن يربحوا المعركة! وداعاً “خمسون”، وداعاً للجهد والطاقة المهدورين، وداعاً للمتعة الموعودة والنقاش الحيوي الذي كان ليثيره العمل... وداعاً للمسرح التونسي (والعربي!) الذي يمضي من احباط الى انهيار.
نعترف اليوم بيأسنا، ونخجل من استسلامنا المبكر. نعم، الأعاجيب ما زالت ممكنة في العالم العربي. يكفي على الأرجح أن نحمل مشروعاً حقيقياً (وجعاً حقيقياً؟)، ونؤمن به. أن نرفض المساومة، وكل أشكال الابتزاز أو الاغراء. الجعايبي وبكّار والحبيب بلهادي لم يفعلوا أكثر من ذلك! خاضوا معركتهم بشجاعة، يحرّكهم إيمان عميق بالمؤسسات، بالمهنة، بالديموقراطيّة وبدولة القانون. والتفّ حولهم معظم المسرحيين والمثقفين، كما لم يحدث في تونس من دهر ربّما! ووصل النقاش حتّى البرلمان، حيث طلب بعض النواب السماح بعرض المسرحية. وكان لجماعة «فاميليا» ما أرادوا!
عندما بلَغنا النبأ لم نصدّق. إنّه انتصار لأهل الخشبة جميعاً، في بلد علي بن عيّاد... بل للمسرح العربي برمّته. حتى الوزير ابن عاشور خرج منتصراً، لأنه رضخ للعبة الديموقراطيّة، واتخذ قراراً لمصلحة الحركة الثقافية والاستقرار الأهلي في بلاده. إذ كيف يمكن أن نحارب التطرّف، ثم نصادر المسرح وحرية التعبير في الآن نفسه؟