د. جيروم شاهينغريغوار حداد... مطران الفقراء والعروبة والتحرير | برحيل المطران غريغوار حداد يفقد لبنان، كل لبنان، والمسيحية ليس في لبنان وحسب، بل في العالم ايضاً، نبياً مميّزاً من رعيل الأنبياء المعاصرين. في الحصيلة: فقدنا برحيل غريغوار حداد ضمير الكنيسة والمجتمع. كان حقاً ضمير الكنيسة والمجتمع.
كان رجلاً مسكونياً انطلاقاً من عائلته التي كانت بروتستانتية، من أصل أرثوذكسي، وقد أصبح مطراناً كاثوليكياً.
وقّع وثيقة تعهّد فيها ممارسة الفقر في حياته الشخصية

كان «مطران الفقراء» و«المطران الأحمر»، كما لقّبوه، لأنّه أسّس «الحركة الاجتماعية» عام 1957 ومراكزها في كل لبنان. أعضاؤها من كل الطوائف والمذاهب. وهي منظمة غير حكومية، طوعية، لا حزبية، لا عقائدية، ولا تدّعي التمنين بالإحسان. أخذ عليها اليسار أنها تصرف الشبيبة عن العمل السياسي، أو تمتصّ النقمة الشعبية.
كان ضمير الكنيسة بإصلاحاته الجذرية التي حققها عندما أصبح مطران أبرشية بيروت للروم الكاثوليك. رفض أثناء أسقفيته أن يلبّي عزائم زعماء الطائفة وأغنيائها على الغداء أو العشاء، وأشرك العلمانيين في إدارة الكنيسة. كان واحداً من المطارنة الثلاثمئة في العالم الذين وقّعوا وثيقة يتعهدون فيها ممارسة الفقر في حياتهم الشخصية، وقد صدرت تلك الوثيقة في الدورة الأخيرة للمجمع الفاتيكاني الثاني (في الفاتيكان) عام 1965.
كان ضمير الالتزام الفكري عندما شارك في تأسيس مجلّة «آفاق»، وكتب فيها أبحاثاً ستّة، في النقد الديني الجذري، حملت سينودوس الروم الكاثوليك على إزاحته من إدارة ابرشية بيروت.
كان ضمير الوطن عندما دعا بإصرار وثبات (وهو مطران) إلى إزالة النظام الطائفي في لبنان، وإلى تأسيس الدولة المدنية باعتماد «العلمانية»، ليس العلمانية الإلحادية على الطريقة الغربية، بل العلمانية المؤمنة.
كان ضمير العيش المشترك الإسلامي ـ المسيحي عندما عمل جاهداً على إطلاق حوار إسلامي ـ مسيحي في سبيل عيش واحد مبني على الانتماء الواحد بالمواطنة الواحدة. وكان متميزاً في هذا الحوار بابتداع مقولات جديدة بعيدة عن التقليدية واللغة الخشبية.
في الحصيلة، كان ضميراً حيّاً نقدياً يوظَّف في خدمة الناس، حسب مقولته الشهيرة: في خدمة «كل إنسان وكل الإنسان».
برحيلك يا غريغوار سنفتقدك كما تفتقد الضمائر صوت الأنبياء.