إبراهيم توتونجيإنّه بكلّ بساطة فيلم عراقي عرضه «مهرجان الخليج السينمائي» الأخير، وصوّر البؤس الذي زرعه صدام حسين في مناطق الأهوار (جنوب البلاد) حين جفّف 96 في المئة من المساحات المائية ليعاقب أهلها على انتفاضتهم عام 1991. «فجر العالم» هو عنوان الفيلم الروائي الأول للعراقي الفرنسي عباس فاضل الذي أنجزه بتمويل فرنسي ــــ ألماني، وصوّره في مصر. الشريط الذي تدور أحداثه خلال حرب الخليج الثانية، يتناول قصّة مجند (اللبناني كريم صالح) يوصي رفيقه خلال احتضاره في إحدى المعارك، بالاعتناء بزوجته (التونسيّة حفصية الحرزي) التي تركها عروساً في الأهوار. هكذا، يعود رفيقه كي يطلب منها الزواج. وتتوالى الأحداث التي يتدخّل فيها البعثيون للقبض على الجندي الفار، وحرق بيوت السكان بوصفهم متكتّمين على المتمردين الهاربين إلى إيران... ويرمي الأميركيون مناشيرهم، فلا يفهم السكان لماذا يأتي هؤلاء «إلى آخر الدنيا كي يقتلوا ويقصفوا ويحاصروا».
بمعزل عن الجماليات البصرية والتقنية الإخراجية للشريط، قدم فاضل مغامرة سينمائية تجرأت على الخروج من كادر العراق المحتل منذ 2003 إلى ما قبل ذلك. ذلك الـ«قبل» الذي كان محظوراً إنتاجه في شتى أشكال الفن. ثمة مخزون من الأحداث الإنسانية في تاريخ العراق الحديث، ما يصلح كي يمثّل قماشة سينمائية مغرية. ثمة أهوار جُفّفت قسراً كي يموت سكانها القاطنون هناك منذ آلاف السنين. كارثة إنسانية تصفها سجلات الأمم المتحدة بالأسوأ على مرّ التاريخ. سموم كيماوية وبقايا جثث لا تزال تطفو على الحدود الإيرانية ــــ العراقية، كلما اشتدت الريح وفاضت المياه حتى يومنا هذا.
يحسب لعباس فاضل، أنّه وضع إحدى اللبنات الأولى لسينما عراقية جديدة، ستغرف خلال السنوات المقبلة من تاريخ كان أخرسَ حتى وقت قريب. تيّار لمحنا بعض إنتاجاته في السنتين الماضيتين، وكان حضوره بارزاً في «مهرجان الخليج» هذا العام، حيث عُرض أيضاً فيلم قصير للإيراني باباك أميني بعنوان «ملائكة ماتوا في التراب»، عن فتاة كردية، تعمل على نبش قبور قديمة تعود إلى الحرب الإيرانية ـــــ العراقية، وتبيع ما تجده من عظام مدفونة تحت الثلوج.