strong>بيار أبي صعبحين تسأل أولئك الذين اقتربوا من الخمسين أو تجاوزوها عمّن يجسّد بالنسبة إليهم الـ«روك إند رول»... هناك من سيجيبك Led Zepplin ربّما... وقد يذهب بعضهم إلى ذكر الـ«بينك فلويد» أو «غانز إند روزس» أو غيرهما. لكن أكثريّة أكيدة ستردد عفويّاً اسم الفرقة البريطانيّة الشهيرة التي أطفأت العام الماضي شموعها الأربعين: Deep Purple . هذه الفرقة الأسطوريّة التي أدّت دوراً حاسماً في إطلاق الـ«هارد روك» والـ«هافي ميتال»، كانت قبل يومين في بعلبك، بعد موعد أوّل مجهض مع الجمهور اللبناني، يعود إلى صيف ٢٠٠٦ المشؤوم. أما الخمسينيّون من هواة الروك الأصيل، فكان بإمكانك أن تلمحهم ليلة السبت، هنا أو هناك، موزّعين على المدرج الذي غصّ بالآلاف، بين معبدي باخوس وجوبيتير. لكنّهم بدوا أقليّة، وسط جمهور سواده الأعظم من الشبان والشابات الذين لم يتجاوزوا الثلاثين. نزل «الصغار» إلى أسفل المدرج، أوّل من أمس، وراحوا يرقصون تحت المسرح، أو يحاولون الصعود تسللاً إلى الخشبة، فيردعهم الحراس بلطف، ويردّدون كلمات الأغنيات الأشهر لـ«ديب بيربل»، كأنّهم عاصروا ولادتها.
جيل التكنو اللبناني يعود إذاً إلى كلاسيكيات الهارد روك، ليس بفضول الواقف أمام مادة متحفيّة، بل بحماسة من يعيد استملاك محطات أساسيّة في موسيقى التمرّد الشبابيّة التي ينضح بها تراث السبعينيات الذهبي. هذه العلاقة يشجّع عليها الخماسي الحالي للفرقة، إذ يواصل التجربة من دون مساومة أو تنازل فنّي، محافظاً على تلك الهويّة الصوتيّة المميّزة... فضلاً عن الديناميّة التي تربط بين الفنانين، كما تجلّت في «مهرجانات بعلبك» من خلال حوار الآلات والتكامل والتجانس بين مختلف الطاقات والحساسيّات.
وكما هو معروف، فإن هذه التركيبة للـ«ديب بيربل» (القرمزي الغامق إذا شئنا ترجمة حرفيّة)، حديثة العهد نسبيّاً، ورصيدها حتّى الآن أسطوانتان: Bananas (٢٠٠٣)، وRapture of the Deep (٢٠٠٦). وحده Ian Paice عازف الدرامز الذي حافظ على عصبيّة ضرباته وثقلها، بقي في الفرقة منذ تأسيسها. المغنّي Ian Gillan قديم أيضاً، دخل مثله مثل عازف البايس الحالي Roger Glover، في التركيبة الثانية للفرقة (١٩٦٩ ــــ ١٩٧٣)، وهي الأشهر حتى اليوم أعطت أسطوانات مثل Fireball، وMachine Head، وWho do we think we are. انقطع غيلان مراراً عن التجربة، بسبب خلافات مع الأب المؤسس عازف الغيتار Ritchie Blackmore. في عام ١٩٩٥ ترك بلاكمور الفرقة نهائيّاً، وحلّ مكانه Steve Morse، ليقف هذا الأخير حيث وقف قبله أيضاً كلّ من Joe Stariani والراحل Tommy Bolin. وأخيراً في عام ٢٠٠٢، انضمّ إلى الفرقة Don Airey عازف الـ«كي بورد» والأرغن، خلفاً لأحد الأعضاء التاريخيين، أي Jon Lord الذي أسهم إلى حدّ بعيد في إعطاء نكهة صوتيّة ونغميّة خاصة لكثير من مقطوعات الـ Deep Purple الشهيرة، كما تعيش في ذاكرتنا منذ Hush إلى Perfect Stranger، وBlack Night، وSmoke On The Water... وسواها من الأغنيات التي استعدناها أوّل من أمس بمزيج من المتعة والحنين.
يان غيلان الذي بات شعره قصيراً وشائباً، لم يعد صوته بالقوّة نفسها، لكن حضوره وديناميته كفيلان بإنقاذ الموقف. دون آري انفرد بتقاسيم على الأورغ والكي بورد، فلم ينس تحيّته الخاصة لبلد الأرز مع «بحبّك يا لبنان» الرحبانيّة. غلوفر الذي يشبه جدّاً طيّباً تحت قمطته الشهيرة (باندانا)، هو الآخر أعطى للحفلة نبضها. كذلك طعّمها يان بايس على الدرامز، بالصخب الأسطوري نفسه. لكنّ ستيف مورس الذي احتفظ بشعره الأشقر الطويل، ملتمعاً تحت البروجكتورات، بدا الأكثر تجلّياً. وكان الأقرب إلى روح الـ«ديب بيربل» التي نقلها في أفضل تجلياتها. الغيتار السحري بزنّاته وانفلاتاته وتقاسيمه المنفردة، أكّد الهويّة الصوتيّة للمقطوعات الشهيرة، المطعّمة بشيء من الباروك أحياناً.
لقد كان موعداً ثالثاً مع الروك هذا الصيف في لبنان، بعد «كين» و«جيسرو تال» في «بيبلوس». وبالإمكان القول إن الموعد مع «ديب بيربل» في «بعلبك» كان استثنائياً.