بيار أبي صعبليس أخطر من السذاجة في مسألة «التطبيع الثقافي» مع إسرائيل. العدوّ الغاصب يسعى جاهداً إلى محو جرائمه، وإعادة كتابة التاريخ بعدما صادر الجغرافيا. وهو في حاجة إلى تحقيق شرعيّته المرفوضة بكلّ الوسائل الممكنة، ما يتطلّب الكثير من شهود الزور. نعم، إسرائيل معزولة ومهدّدة بالاختناق، إذا لم تمدّ الجسور مع محيط معاد يلفظ ذلك الجسد المزروع في خاصرته، كياناً استعماريّاً قائماً على العنف أوّلاً وأخيراً. ومن السذاجة أن نعدّ الثقافة بمنأى عن هذا الصراع الذي لم يختره العرب، بل فُرض عليهم بالحديد والنار. من السذاجة أن نعدّ ترجمة الكتب من الضاد إلى العبريّة (وبالعكس)، عمليّة بريئة لا دخل لها في السياسة، أو فعلاً حضاريّاً يسمو فوق الصراعات. السلام العادل وحده قد يرفع يوماً الحواجز النفسيّة والثقافيّة. والدولة الاسبارطيّة، حتى إثبات العكس، لا تتقن لغة السلام.
غير أن الحذر من فخّ «الانفتاح» الأبله أو المشبوه، لا يقود بالضرورة إلى التعصّب والذعر المنهجي من الآخر. صحيح أن علينا الاطلاع على الأدب الإسرائيلي مثلاً. لكن ماذا نترجم؟ وكيف نقدّمه إلى القارئ؟ لا بدّ لنا أيضاً من أن نخاطب الرأي العام الإسرائيلي. محمد شكري وصنع الله إبراهيم وإلياس خوري ترجموا إلى العبريّة، لكنّنا نعرف جيّداً الخيارات السياسيّة والأخلاقيّة الراديكاليّة لصاحبة «دار أندلس» التي نشرت تلك الترجمات. هل راعت الشاعرة المصريّة إيمان مرسال تلك الاعتبارات، لدى الموافقة على نقل مجموعتها «جغرافيا بديلة» إلى العبريّة على يد ساسون سوميخ، المدير السابق للمركز الثقافي الإسرائيلي في القاهرة؟ من هنا يبدأ النقاش، بعيداً من التخوين والتكفير.