المصوّرة المقيمة في بروكلين، رصدت حياة اللاجئين الفلسطينيّين واللبنانيّين المهجّرين خلال عدوان تمّوز 2006. شهادة مؤثّرة تعرضها في بيروت
سناء الخوري
تسند رأسها إلى حائط لم يكتمل بناؤه بعد. شعرها أشعث وفقير وحالم، وعلى الأرجح أشقر... تتناثر خُصَلُها بخفر في مقدمة صورة «الشباك المفتوح» لرانيا مطر. يلتقط هذا العمل الفوتوغرافي بالأبيض والأسود، لحظةً جمعت فيها فتاةٌ صغيرة يديها لتمسك ظلّ أحد جدران منزلها المهدّم. من الزاوية المختارة لتجميد الوقت، تبدو العدسة كأنها تقترب من الطفلة لتقبيلها. تظهر والدتها في خلفيّة الصورة، وهي تطعم أخاها الصغير، وفوق تلك العائلة شبّاك كبير مفتوح، لا ستائر له ولا درفات. لا يمكن العائلة اللاجئة أن تغلقه إن هبّت عاصفة أو حرب.
40 صورة تنقل أجواءً مماثلة من حياة اللاجئين الفلسطينيين واللبنانيين المهجرين أثناء حرب تمّوز 2006 وبعدها، مثّلت محوراً لمعرض رانيا مطر «حيوات عاديّة». المصورة اللبنانيّة المقيمة في بروكلين (الولايات المتحدة) منذ 1984، تقدّم هنا تقريراً مصوّراً صامتاً، يختصر تعقبها لحيوات المهجّرين واللاجئين في المخيمات الفلسطينيّة، طيلة ثلاث سنوات. تيمة لا تختلف كثيراً، من حيث الشكل، عن السياق العام لموضوعات مطر الأساسيّة. جالت هذه الأخيرة الولايات المتحدة وسوريا وتركيا ولبنان، تتعقّب المرأة والطفل، وخصوصاً اللاجئين منهم. تُشغل بتصويرهم، وتحويلهم إلى نجوم لمعارضها حول العالم.
فتاة تتمرّى، وأخرى تفتح ستاراً كأنها لوحة زينيّة
بعدما تخصّصت في الهندسة المعمارية من «الجامعة الأميركيّة» في بيروت، سافرت حيث تدربت على التصوير الفوتوغرافي، على يد المصوّر قسطنطين مانوس. تركت الهندسة من أجل مهنة الكاميرا، لتصبح أعمالها عنصراً ثابتاً في معارض التصوير حول العالم، من بوسطن إلى سان بطرسبورغ وباريس وغيرها... وقد اختيرت عام 2008 واحدة من أفضل مئة مصوّرة في مسابقة Women in Photography International.
يكتسب معرضها Ordinary Lives الذي قُدِّم في وقت سابق في «معهد الفن المعاصر» في بوسطن، بُعداً جديداً في مسيرتها. إنّه ثمرة تجربتها الشخصيّة مع حرب تموز، حين وجدت نفسها وأولادها تحت النيران خلال زيارتها الصيفيّة لوطنها الأم. حينها، رصدت بعدستها كلّ ما حولها، وهذا ما نراه تحديداً في سلسلة الصور الملونة التي يتضمّنها المعرض. هنا، ركام، ورودٌ اصطناعية مرمية بقيت من حطام منزل، صور عائليّة معلقة على حائط منهار، أوانٍ وألعاب وأشياء متفرقة من حيوات عاديّة بقيت... رغم سقوط المنازل والأجساد. في أيام السلم، صورت رحلاتها في الشرق الأوسط، بين سوريا وتركيا ولبنان. تستهويها النساء المحجبات، وتترصّدهن في كلّ مكان. في حيوات عاديّة، يكّون وجودهنّ الجزء الأكبر من مساحة الصور المأخوذة بالأبيض والأسود. في صورة طريفة بعنوان «جرائد»، نرى سيدات يجلسن جنباً إلى جنب، في عيادة أو في صالون تجميل، معظمهنّ محجبات، وتمسك كلّ واحدة منهنّ بجريدة. في لقطة أخرى، تصور مطر من الخلف، فتاةً تقف قبالة الروشة، يتطاير طرف حجابها، وإلى جانبها شاب ينظر إلى ذلك الوشاح الطائر. تصور أيضاً منقبات وراهبات. نادراً ما نرى شعر المرأة في صورها. تتعمّد ذلك وفاءً لشكل حياة تلك النسوة، ليومياتهنّ النيئة، من دون تعديل وتبديل.
استقت من هذه الحيوات كتابها الأول «حيوات عاديّة» (Quantuck Lane Press) ووقّعته في بيروت تزامناً مع افتتاح المعرض. نراها تركّز على ثنائية المستحيل/ الممكن في تلك الحيوات العادية. هذا ما يتضح بشكل فاقع في اختيارها لمقاربة صور الدمار. هنا بناء يهدّم، وأمامه طفل يلوِّح بيده للكاميرا. هنا ركام لم يقضِ على علامات بسيطة من حياة ستستمرّ. تبلغ حسّاسية ذلك المستحيل الممكن أقصاها في صور التقطتها بالأبيض والأسود للاجئين فلسطينيين، فتاة تتمرّى، وأخرى تفتح ستاراً كأنها لوحة زيت على كانفاس. تحتفي عدسة مطر بإنسانيّة أبطالها، باستمرارهم في الحياة العاديّة، رغم كلّ
الاستثناءات.


حتى 23 تشرين الأول (أكتوبر) ــ «غاليري جانين ربيز» (الروشة) ــ 01/868290 www.galeriejaninerubeiz.com