الرباط ــ محمود عبد الغنيكلّما خطا المغرب خطوات صوب بناء مجتمع حديث، كلما جاءت محطة أو امتحان ليعيداه أشواطاً إلى الوراء. إذ سجّلت منظمة «هيومان رايتس ووتش» (مقرّها نيويورك) تراجعاً في حقوق الإنسان في المغرب 2009، مشيرةً إلى أنّ «المغرب لديه مجتمع مدني وصحافة مستقلّة، لكنّ السلطات بمساعدة القضاء تستخدم تشريعات قمعيّة لمعاقبة معارضين سلميين وسجنهم». وهو الأمر الذي يهدّد التقدّم الذي أحرزه المغرب خلال السنوات العشر الأخيرة.
ما لا يمكن إنكاره أنّ المغرب وضع قطاره على السكّة الصحيحة، حين أسّس عام 2003 «هيئة الإنصاف والمصالحة» التي عهد إليها تصفية ملفات الاعتقالات السياسية والاختفاءات السابقة، طيلة سنوات اتفق المغاربة على تسميتها بـ«سنوات الرصاص». تلك المرحلة التي بدأت منذ السبعينيات في عهد الملك الحسن الثاني حتى نهاية الثمانينيات، تميزت ببشاعة التعذيب، والتفنن في تلطيخ كرامة الإنسان. وكل من يريد الاقتراب من حقيقة تلك المرحلة، ما عليه سوى العودة إلى الأدب الذي كتبه عن تلك الفترة معتقلون كتبوا معاناتهم، أمثال عبد القادر الشاوي (كتابه «كان وأخواتها») وعبد اللطيف اللعبي (مجنون الأمل) وأحمد المرزوقي الذي أبكى الملايين في كتابه عن المعتقل السري «تازمامارت».
مصادرة الصحف والمجلات ومضايقة الإعلاميين
مع ذلك، يبقى الامتحان الأكبر هو الواقع اليومي. وهذا الواقع كثرت فيه أخيراً عمليات منع الصحف والمجلات أو مصادرة عدد من أعدادها: مجلتا «نيشان» و«المشعل» و«الجريدة الأولى» و«أخبار اليوم». ويأتي هذا القمع إما بسبب نشر خبر كاذب عن مرض الملك محمد السادس، أو الإساءة إلى العائلة الملكية كما هي الحال بالنسبة إلى جريدة «أخبار اليوم» التي نشرت رسماً كاريكاتورياً «اعتُبر مسيئاً» إلى ابن عم الملك الأمير مولاي إسماعيل... هذا إضافة إلى التحقيقات المتكررة مع صحافيين من جانب الشرطة القضائية. ما جعل الكلّ يذهب إلى القول إنّ الصحافة المغربية تعيش فترة حرجة في علاقتها بالدولة والحكومة. وهذا ما دفع منظمة «هيومان رايتس ووتش» إلى توجيه انتقادات إلى المغرب في ما يخص وضع حقوق الإنسان خلال عام 2009. ومن بين القضايا التي ركز عليها التقرير واقع الصحافة التي شهدت تراجعاً خلال السنة نفسها. كما أنّ التقرير أشار إلى أنّ الدولة المغربية تمنع الصحف وتُغلقها، وتعتقل الصحافيين وتغرّمهم، إلا أنّها «نادراً ما تجري محاسبة الشرطة على انتهاك حقوق الإنسان». ويعرف في المغرب اليوم أنّ العضو المريض هو جهاز الشرطة الذي يحتجز سيارات المواطنين، ويضرب الأرقام القياسية في الارتشاء والتعسف والتعذيب. هذا هو الدور التقليدي الذي تربى عليه طيلة سنين، فيما هو الجهاز الذي يوكل إليه تنظيم الحياة وحمايتها.
لقد كان تقرير «هيومان رايتس ووتش» بمثابة ناقوس إنذار لبلد ينفق الأموال على التعليم والتثقيف وحماية حقوق الإنسان، ناسياً أنّ المجال الحقوقي هو المنارة لكل إصلاح.