رغم غياب الدعاية والتمويل الكافيين، استطاع المهرجان بلوغ دورته الثالثة بنجاح. ما يعني «أنّ هناك جمهوراً مهتماً بالفيلم التسجيلي» كما يستخلص المخرج عمر أميرالاي
دمشق ـــ وسام كنعان
قبيل انطلاق الدورة الثالثة من مهرجان «أيام سينما الواقع» DOXBOX بعد غد الأربعاء، عقدت أسرة المهرجان مؤتمراً صحافياً في فندق «برج الفردوس» في دمشق، أعلنت فيه أسماء الأفلام المشاركة ومواعيد عرضها. عضو اللجنة التنظيمية للمهرجان عروة نيربية أعلن أنّ «أيام سينما الواقع» تشتمل على تظاهرات مختلفة، أُولاها «روائع المهرجان» التي تقدّم تحيةً إلى روّاد الفن التسجيلي في العالم. وهناك أخرى مخصّصة لـ«أصوات من سوريا»، سينال أحد أفلام المشاركة فيها «جائزة صورة» المستحدثة، التي تقدّمها شركة «صورة للإنتاج الفني»، بمبادرة من صاحبها المخرج حاتم علي. كذلك ننتظر مواعيد خاصة مثل «رجال ونساء» و«الطبقة العاملة تذهب إلى الجنة». ومن بين البلدان الرائدة في السينما التسجيلية والمشاركة بقوة في المهرجان هذا العام، ذكر عروة نيربية لبنان، الذي يشارك بأربعة أفلام («1958» لغسان سلهب، و«هوامش الساحة» للارا ألمرسيغي، و«العمة هالا» لسارا حيدر، و«12 لبناني غاضب» لزينة دكاش) وبولونيا التي تشارك بسبعة أفلام.
لم تقف ظروف الإنتاج السينمائي المتردّي في سوريا في وجه منظمي «أيام سينما الواقع»، الذي مثّل أول مهرجان للسينما التسجيلية في سوريا. ورغم استقطابه نسبة كبيرة من الجمهور في ثلاث محافظات هي دمشق وحمص وطرطوس، فإنّ هناك بعض الأصوات التي ما زالت ترى أنه لا وجود لأيّ مهرجان خاص بالسينما الوثائقية والتسجيلية في سوريا. لكن التظاهرة بلغت دورتها الثالثة بنجاح مع غياب المموّل والراعي الحقيقي لها، إذ بدأت في ظل احتفالية «دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008» واستمرت بعد الاحتفالية بفضل شبكة تعاون مع بعض المهرجانات الأخرى، كـ«مهرجان أمستردام الدولي»، و«الصندوق العربي للثقافة والفنون» وبعض المراكز الثقافية. «المموّلون وأصحاب المال لا يغامرون بدعم المشاريع الثقافية غير الربحية» يقول عروة نيربية، الذي هو أيضاً أحد الأعضاء المؤسّسين لـ«أيام سينما الواقع». ويضيف في حديثه لـ«الأخبار»: «تقدّم إلينا «المؤسسة العامة للسينما» صالتي عرض وأجهزة، إضافةً إلى تكاليف مشاركة الضيوف، وهي خدمات عينية، لكنها لو حُسبت كمبالغ نقدية، لكانت أرقاماً كبيرة بالنسبة إلينا».
لكن حتى الآن، لم يحظَ المهرجان بشهرة تجعله معروفاً لدى غالبية الجمهور السوري، وتمهّد الطريق أمام التجارب الشابة التي ترغب في المشاركة فيه. هنا يجيب عروة نيربية «لا يمكننا الحصول على تلك الشهرة إلّا من خلال رصد ميزانية كبيرة للإعلان وهو ما نفتقده. هذه السنة، ركّزنا على الشق الإعلاني، وأعلنّا الفعّالية في وكالة الأنباء الوطنية والصحف الرسمية، وبعثنا آلاف الرسائل الإلكترونية إلى كلّ من نعرف أنه مهتم». وعن لجان قبول الأفلام، يوضح نيربية «اخترنا لجنة حيادية قدر الإمكان».
إذاً ستنطلق الدورة الثالثة محتفيةً ببعض روّاد السينما التسجيليّة الذين يزورون الوطن العربي للمرة الأولى، على رأسهم صاحب «معركة تشيلي» باتريسيو غوسمان، إضافةً إلى الأميركي د. أ بينيبيكر. والجديد هذا العام هو تظاهرة الأفلام السورية، وتعزيز الحضور اللبناني، الذي يعدّه فريق المهرجان إحدى أهم الإضافات قياساً بالدورتين السابقتين. هكذا، ستشهد صالتا «الكندي» و«الحمراء» في دمشق حركة غير اعتيادية لعرض أفلام المهرجان، وكذلك الأمر بالنسبة إلى صالة «الكندي» في حمص، وصالة «سينما طرطوس».
وقد يكون المهرجان المناسبة الوحيدة التي استطاعت في السنوات الأخيرة أن تَجمع اسم المخرج السوري عمر أميرالاي و«المؤسسة العامة للسينما» في احتفالية واحدة، رغم ما يُعرف من خلاف بينهما. «مؤسسة السينما» هي راعية المهرجان، وأميرالاي هو أحد أعضاء اللجنة الاستشارية فيه. لكنّ المخرج السوري يرى أنّ تعاونه قائم مع جهة مستقلة هي شركة «بروآكشن فيلم»، المنظّمة للمهرجان. ويصرّح لـ «الأخبار»: «المهرجان مناسبة مهمّة جداً لإطلاع الشباب المحب للسينما على جنس فيلمي مهمّ. الفيلم التسجيلي فيلم جدي للغاية. وعندما تصل وسيلة التعبير فيه إلى مستوى فني معين، ينتفي التمايز بين روائي وتسجيلي، ويصبح الشريط التسجيلي فيلماً روائياً بكل معنى الكلمة». ويرى أميرالاي أن استمرار المهرجان وبلوغه دورته الثالثة يعنيان أن هناك جمهوراً مهتمّاً بالفيلم التسجيلي، لكن لا يمكن أيّ تجربة أن تمر من دون عثرات ونقاط ضعف.
ويرى صاحب «الطوفان» أن عدم معرفة بعض السينمائيين الشباب بالمهرجان للمشاركة فيه، أمر لا يتحمّل مسؤوليته المهرجان وحده... إذ إن على الفنانين الشباب أن يبذلوا جهداً أيضاً في البحث عن فضاءات تتسع لتجاربهم. فيما يحمِّل مسؤولية استيعاب كل هذه التجارب الشابة، في غياب مهرجانات مماثلة، للجهات الرسمية، التي يُفترض بها أن تبادر إلى خلق هذه المهرجانات، ويرى أن هذا الواقع لا يقتصر على السينما التسجيلية فقط بل يطاول الروائية أيضاً. ويختم قائلاً «إذا كُتب لهذا المهرجان الاستمرار، فسوف يتحول إلى مؤسسة فنية تُعنى بالفيلم التسجيلي، وسيصبح واحداً من أهم المهرجانات العربية على الإطلاق. لكنني دائم القلق، وأضع يدي على قلبي خشية توقف هذه التجربة».
من جانب آخر، سيمر مهرجان DOX BOX من دون علم بعض السينمائيّين السوريين. المخرج سمير ذكرى مثلاً لم يسمع عن المهرجان سابقاً، ولم يحضر أيّاً من عروضه. كذلك الكاتبة ريما فليحان، التي

يشارك لبنان بقوّة هذا العام من خلال أربعة أفلام
تقول لـ«الأخبار»: «رغم محبتي الكبيرة للسينما التسجيلية، فإنني لم أسمع عن إقامة هذا المهرجان سابقاً». فيما يواظب بعض المثقفين على الحضور طوال أيام المهرجان، كالفنان فارس الحلو والممثلة مي سكاف والكاتب خالد خليفة، الذي يقول لـ«الأخبار»: «أيام سينما الواقع» هي أهم تظاهرة غير رسمية في سوريا. تابعتُ أجمل الأفلام التسجيلية من خلالها». ويضيف صاحب «مديح الكراهية»: «يقدّم المهرجان ثقافة حقيقية تتعدّى حالة الاستعراض التي تطغى على بعض المهرجانات. وهو مشغول بتقشف وببساطة من دون أن ينقصه العمق. وعلى الرغم من غياب الدعاية، فإنّه يتجاوز بطموحه مجرد الشهرة، فاستمرارية هذه التجربة قد تجعل سوريا الحاضن الأساسي لأهم الأفلام الوثائقية في العالم».
إذاً عدد قليل من صالات السينما في سوريا ستدب فيها الحياة أياماً قليلة. وعلى الرغم من أن منظّمي المهرجان لا يعتصمون ببدلات رسمية وربطات عنق، ولا يتكلمون طيلة أيام المهرجان أكثر من ثلاث دقائق، فإنّهم يعرفون جيداً كيف يصنعون الحراك السينمائي الحقيقي، أكثر بكثير من الجهات الرسمية المعنية بصناعة السينما في سوريا.


المختارات الرسمية

تضمّ لائحة «المختارات الرسمية» 11 فيلماً: «1958» لغسان سلهب (الصورة)، و«12 لبناني غاضب» لزينة دكاش، و«العمة هالا» لسارا حيدر، «ستة أسابيع» لمارسين جانوس كروزيك، و«المحظوظون» توماس وولسكي، و«الأم» جاكوب بياتيك، «اسكان» لفريديريكا ديجياكوم، «كان يا ما كان في هذا الزمان» لهشام بن عمار، «لو كان للضباب جذور» لدنيا بوفيت وولتيك، «بشرة جديدة» كلارا ايلالوف، و«خرائط فيديو: عايدة، فلسطين» لتيل روسكنز.