تعقيباً على مقالة الزميل بيار أبي صعب «الرحابنة والملكية الفكرية: درس في القانون» (٢٩/7/2010)، جاءنا من المحامي بيار الخوري رد تأخّرنا في نشره لاعتبارات لوجستيّة، وفي ما يلي أبرز ما جاء فيه، ثم ردّ التحرير

«السيد أبي صعب نسب إليّ كلاماً لم أتلفّظ به (...)، وحكم بأن «الأستاذ القانوني لم يراجع درسه، وما قاله خطأ وعار من الصحة». (وها أنا) أكرر ما قلته «بأننا نعرف عن السيد أبي صعب بأنه ناقد فني وليس فقيهاً قانونياً» (...) وفي مطلق الأحوال، لم أقل أو أقصد أبداً أنّ النقاش حق يقتصر على الخبراء القانونيين كما أحب أن يستنتج ويشيع، فاقتضى التوضيح.
أما في (...) مسألة من يستطيع التصرف بأعمال الأخوين الرحباني وبخاصة مسرحية «يعيش يعيش» التي امتنع «كازينو لبنان» عن عرضها، وكانت هي موضوع مداخلتي القانونية (على قناة «العربية» في 27/7 ـ التحرير)، فإنّ الأعمال المشتركة التي أنتجها عاصي ومنصور الرحباني انتقلت ملكيتها إلى كامل الورثة وهي في حالة شيوع بينهم، ولا يجوز التصرف بأي منها إلا بعد أخذ الموافقة الخطية من كامل الورثة (...). أما اعتبار أنّ «الممارسة الفعلية لها فعل القانون» فيمكن أن يصح في بعض المجالات، وإنما لا قيمة له في حق المؤلف. والقول بأنّ «فيروز تؤدي تلك الأعمال منذ عقود، وقد اقترنت بها ونشرت باسمها، من دون أن يعترض أحد» فهو قول غير دقيق ولا يؤدي أبداً الى انتقال الحقوق بالاستعمال ولو كان هادئاً وعلنياً ولعقود. كان من الحريّ القول بأن فيروز كانت تؤدي تلك الأعمال بموافقة الأخوين عاصي ومنصور الضمنية من دون شك. فالمادة 17 من قانون الـ 75/99 هي صريحة وتنص على أنّ عقود استغلال الحقوق المادية أو التصرف بها يجب أن تنظم خطياً تحت طائلة البطلان.
إنّ انضمام الأخوين عاصي ومنصور الى شركة الـ SACEM يعطيها الحق نيابة عنهم بإعطاء الأذونات وبتحصيل الأتاوات من أداء أعمالهم الموسيقية علنياً (المادة 2 من نظامها). فهي جمعية مؤلفي وملحني وناشري الموسيقىSociété des auteurs, compositeurs et éditeurs de musique تعيد توزيع الأموال على أصحاب الحقوق بالتساوي على أساس الثلث لكلّ من المؤلف، الملحن والناشر. أما في ما يتعلق بالأعمال المسرحية، فهناك شركات إدارة جماعية أخرى كالـ SACD في فرنسا (Société des auteurs et compositeurs dramatiques)، وهي غير موجودة في لبنان.
يظهر أن الأمر التبس على السيد أبي صعب حين تصفّح موقع الـ SACEM الإلكتروني، ووجد أنّ مسرحية «يعيش يعيش» واردة ضمن لائحة الأعمال التي تديرها. الا أنّ عمل الـ SACEM يقتصر هنا على الأغنيات التي تؤدّى ضمن مسرحية «يعيش يعيش». يكفي للسيد أبي صعب أن ينقر على عنوان المسرحية ليرى أنه يتعلق بالغناء (Chant) فقط لا بالنص (Texte). فطريقة احتساب الأتاوات تختلف باختلاف نوع العمل، والـ SACEM تتبع جداول احتساب خاصة بالموسيقى فقط (...).
من جهة أخرى، يجب احترام الحق المعنوي لمؤلف العمل المسرحي كل مرة يحصل فيها أداء علني للمسرحية لأنّ اختيار الممثلين لأداء الدور المسرحي هو حق يعود إلى أصحاب الحقوق على العمل المسرحي ويخضع لشروطهم. وللتذكير، فالحق المعنوي لا يمكن التنازل عنه وإنما ينتقل فقط عن طريق الإرث أو الوصية.

الحماقة أن يسمح ناقد فني لنفسه بالحلول مكان المستشارين القانونيين للسيدة فيروز

وإذا أردنا التوسع في موضوع الـ SACEM، فهل يعلم السيد أبي صعب بأنها شركة فرنسية خاصة مهمتها الأساسية تحصيل حقوق الشركاء المنضمين إليها وبخاصة الأجانب منهم؟ وبأن نظامها يتعارض في عدة نقاط مع قانون حق المؤلف اللبناني (...)؟ وكيف يفسر لنا التناقض في دفاعه عن نظام الـ SACEM لمصلحة السيدة فيروز، علماً بأن هناك دعاوى عالقة بين السيدة فيروز والـ SACEM؟ (...). أما القول بأن لي «خبرة في الدفاع عن الملكية الفكرية لـ «مايكروسوفت» فهي أوهام وتكهنات. وهو بذلك يهرب من النقاش القانوني بالركون الى ادعاءات ديماغوجية نظراً إلى حساسية هذا الموضوع ولأنه يدغدغ مشاعر قسم كبير من قراء جريدة «الأخبار». إن الحماقة بعينها هي أن يسمح ناقد فني لنفسه بالحلول مكان المستشارين القانونيين للسيدة فيروز حين يتعلق الأمر بمناقشة موضوع شائك ودقيق كالتصرف بالإرث الرحباني (...) إنّ أي «صحافي يحترم نفسه ويدرس ملفاته جيداً قبل أن يتناول الوقائع أو يدلي برأيه في سجال» عليه أولاً التأكد من المعطيات والوقائع التي يزوّده بها مخبروه. ولكي لا يلتبس الأمر على أي صحافي أو ناقد فني أو ثقافي ولا حتى على بعض المخبرين، أورد لمحة عن سيرتي فلا يعود السيد أبي صعب يتكهن عن خبرتي في مجال الدفاع عن حقوق الملكية الفكرية: بيار يوسف الخوري، حائز الدكتوراه من جامعة «مونبيلييه» في فرنسا (ملكية أدبية وفنية) تحت إشراف البروفسور ميشال فيفان (...) وأستاذ محاضر في قوانين الملكية (...) أرجو أن أكون قد أشبعت الفضول العلمي للسيد بيار أبي صعب، الصحافي الذي يعرف شيئاً وإنما غابت عنه أشياء.

ردّ على الردّ: هل أعمال الرحابنة «دراميّة» حقّاً ؟



بيار أبي صعب
سررنا جداً بالتعرف إلى إنجازات الدكتور بيار الخوري وشهاداته الأكاديميّة، ولعلّ فيها ما يشبع فضولنا (ليس العلمي بالضرورة)، وفضول «قرّاء الأخبار» المعرّضين لشتّى محاولات الابتزاز الأيديولوجيّة والـ«ديماغوجية». لكن، ليس ضرورياً أن يكون المرء من «قرّاء الأخبار»، كي يدرك أن الدفاع عن مصالح بيل غيتس (وإن كانت في سياقها القانوني) لا علاقة لها بالدفاع عن مصالح المبدعين والمفكرين العرب، ولا عن مصالح الشعوب العربيّة التي تجاهد من أجل تملك أدوات المعرفة والتواصل وتقنياتها الحديثة.
نطمئن الأستاذ الخوري، من جهة أخرى، إلى أننا لم نحلّ «مكان المستشارين القانونيين للسيدة فيروز». لقد سعينا وسنسعى إلى التعبير عن الشارع العربي الذي يرفض رفضاً قاطعاً «تكميم» فيروز، أو عرقلة عودتها الى الخشبة، بشتّى الذرائع القانونيّة والمادية المخجلة. وما دام الأستاذ المحاضر في قوانين الملكية، يسمح لغير القانونيين بمناقشته، فلنستغل هذه الفرصة الثمينة. إذا كان هناك تعارض بين نظام الـ«ساسيم» وقانون حق المؤلف اللبناني، فهذا يستحق تسليط الضوء عليه وتعميقه حقاً. لكننا نسأل ماذا تفعل هذه الشركة في لبنان إذاً، وكيف يستفيد عدد من الفنانين دون سواهم، وكان في طليعتهم الراحل منصور الرحباني، من الأموال التي تجنيها من تحصيل الأتاوات؟
ليس دقيقاً ما يورده الدكتور الخوري من وجود دعاوى عالقة بين فيروز والساسيم. الصحيح أن السيدة فيروز (كوريثة لعاصي الرحباني)، وورثة منصور الرحباني، مشتركون كمدّعين بطعن عالق أمام مجلس شورى الدولة، بالمرسوم الصادر عن وزارة الثقافة (917/2008) الذي نظّم كيفية عمل شركات الإدارة الجماعية لحق المؤلف، وأتى مخالفاً للقانون. كما أن ورثة عاصي الرحباني وورثة منصور الرحباني تقدموا في عام 2007 بدعوى ضد محطة LBC، وتدخلت فيها شركة ساسيم.

الكلام عن دعاوى بين فيروز والساسيم ليس دقيقاً
أما عن الـ SACD، فهي غير موجودة في لبنان، فضلاً عن أن الرحابنة ليسوا أعضاء فيها، وأعمالهم ليست مسجلة في عداد الأعمال الدرامية التي تديرها تلك الشركة. كما أن «المسرحيّات» الرحبانيّة ليست درامية في النهاية، بل يطغى عليها الجانب الموسيقي، ومن الطبيعي أن يؤخذ هذا الأمر في الاعتبار لتصنيفها. هل نزيد بأن تلك المسرحيات مسجلة في دليل الـ«ساسيم» كأعمال كاملة، فيما الأغنيات التي تتضمنها مسجلة بدورها في الدليل بشكل مستقل (حوارات مغنّاة وأغنيات)؟ إذا كانت الإدارة الممنوحة الى شركة الـ «ساسيم» تقتصر على عناصر العمل الموسيقي فحسب، فما الداعي لتسجيل العمل كله من جهة، ثم تسجيل تلك العناصر المذكورة كلاً على حدة؟
لم يلتبس علينا الأمر ونحن نتصفّح قوائم موقع الساسيم، بل دققنا جيداً ولاحظنا أن العديد من الحوارات الرحبانيّة المسرحيّة، غير المغناة والتي لا ترافقها أي موسيقى، مسجلة كمقاطع مستقلّة (مسرحيّتا «لولو» و«بترا» مثلاً). ولا نظنّ أنّه يمكن الركون الى التصنيف المعتمد على موقع الـ SACEM بشكل عام، فـ«جبال الصوان» ـــ على سبيل المثال ـــ مصنّفة symphonique. لا بدّ إذاً، في هذا السياق، من العودة الى البيانات الخاصة المحفوظة لدى الساسيم بتوقيع الأخوين رحباني.
أخيراً وليس آخراً، هل نلفت نظر الدكتور بيار الخوري إلى أن عائدات الطبع الميكانيكي SDRM المترتبة عن مبيع الأسطوانات التي تتضمن الأعمال المسرحية الكاملة للرحابنة (وليس المجزأة كأغنيات)، تستوفيها أيضاً شركة ساسيم. فلماذا الفصل لجهة الأداء العلني، وعدم الفصل لجهة الطبع الميكانيكي ما دام الحقّان تحت إدارة الساسيم؟
ودمتم للصحافي الذي «غابت عنه أشياء»: بيار أبي صعب