شهد رمضان عرض مجموعة من المسلسلات العراقية، افتقد معظمها المصداقية بعد تصوير المشاهد في دمشق أو مدن عربية أخرى بعيداً عن مناخات بلاد الرافدين
بغداد ــ حسام السراي
هذا العام أيضاً، لم تتمكّن الدراما العراقية من إيجاد حلّ لمشكلة البيئة المصطنعة التي صُوّرت فيها المسلسلات الرمضانية. ورغم بعض المحاولات الحذرة لمخرجين سوريين وعراقيين للاقتراب من المكان البغدادي في دمشق وغيرها من المدن العربية، إلا أن هؤلاء لم ينجحوا في إخفاء عورات البيئة المستعارة.
هكذا، شعر المُشاهد بغربة كبيرة عن البيئة البغدادية أثناء مشاهدته الأعمال. مثلاً في الحلقة الأخيرة من مسلسل «إعلان حالة حب» الذي عرضته قناة «الشرقية»، بدا واضحاً أن البيئة التي قتلت فيها يارا وقبلها زوجها يسار بعيدة عن الأجواء البغدادية. وهو ما تكرّر في الحلقة الأخيرة من «السيّدة» (شاشة «البغدادية»): لدى عودة الحاج نعمة (بهجت الجبوري) وزوجته (منى واصف) من دمشق إلى بغداد بعد سقوط نظام صدّام، لم يكن هناك انتقال واضح من الأجواء السورية إلى الأجواء العراقية. ما أضعف خاتمة المسلسل الذي حمل رسالة تسامح جميلة. ويبدو أن مشكلة البيئة المصطنعة ستظلّ قائمة، وخصوصاً أن الأسباب التي تدفع صنّاع الدراما إلى التصوير خارج العراق لا تزال كثيرة. ويعدّد مدير «الفرقة القوميّة للتمثيل» المخرج المسرحيّ حاتم عودة هذه الأسباب، أبرزها «التدهور الأمنيّ وانحسار ساعات العمل نتيجة حظر التجول الليليّ، وخصوصاً أنّ المسلسل يحتاج إلى مشاهد ليلية».
لا يختلف السيناريست ضياء سالم مع ما قاله عودة، ولكنه يضيف نقطة مهمة وهي «هجرة رأس المال العراقيّ الذي تحوّل من منتج إلى منتج منفذ للقنوات الفضائيّة، والمعروف أن لكل محطة أجندتها الخاصة». ويخبر ما حصل معه في آخر أعماله «قمبر علي»، فيقول: «تعاقدت فيه مع شركة «النواعير» واتفقنا على أن نقدّم عملاً وطنيّاً في بيئته الحقيقيّة وهي محلّة قمبر علي في بغداد، واتفقنا على أسماء الممثلين والمخرج. إلا أنّ مدير شركة «النواعير» الفنان حكيم جاسم أخذ النصّ وذهب به إلى سوريا، وطلبت منه فضائيّة «البغداديّة» أن يكون المخرج ومدير التصوير والفنيّين من سوريا». يواصل سالم شرح ما حصل «مع انتقال العمل من بغداد إلى سوريا، حصلت مشاكل كثيرة، وخصوصاً أن ثلاثة مخرجين تناوبوا على إخراجه أوّلهم سيف الدين السبيعي ومن ثمّ سامر البرقاوي، حتى أنجزه طلال محمود سريعاً، وهو لا يعرف البيئة العراقيّة». هذا التناوب في الإخراج، إلى جانب فقدان المسوّدة النهائية للنص التي أجرى عليها ضياء سالم تصحيحاته الأخيرة، وغيرها من المشاكل، دفعت الكاتب العراقي إلى التأكيد على «أنّ العمل لم يجسّد ولا حتى واحداً في المئة من جو البيئة والأمكنة التي أرادها. في النصّ أماكن رئيسيّة لم تظهر في المسلسل هي: شارع السعدون، وشارع أبو نواس، وشارع الرشيد، والميدان، وقنبر علي، والكرادة، والصدريّة، والوزيريّة». ويرى سالم أن التصوير في بغداد لم يعد مستحيلاً، وخصوصاً أن أحياء كثيرة في العاصمة العراقية باتت تعيش حياة طبيعية. ولا ينسى توجيه اللوم إلى الجهات الإنتاجية في العراق، فيقول «الفساد وهدر الأموال المستشري في مؤسّسات كثيرة هو الذي يمنعنا من تحقيق مشاريعنا».
ورغم كل المشاكل التي واجهت العمل، إلا أنه لاقى نجاحاً عند عرضه، وهو ما يرجعه سالم إلى القصة التي تناولت مواضيع عدة محرّمة مثل عناصر الأمن والفرقة الحزبيّة أيام صدام، والشيوعيّين، واليهود، والمسيح، والأكراد. لأن ««قمبر علي» هي عراق مصغّر وليست محلة شعبيّة فقط».
إذاً، مشاكل عدة تلاحق صنّاع الدراما العراقيين وتفرض عليهم تصوير أعمالهم خارج العراق. في هذا الإطار، لا ينسى الكاتب والصحافيّ علي حسين التذكير بأنّ «بعض المنتجين يبحثون عن المواقع الرخيصة وبمبالغ بسيطة للتخلص من مصاريف الإنتاج، كما أنّهم يستغلون الممثلين فيدفعون لهم ربع ما يدفعونه لزملائهم في بغداد». ويسأل: «ما الذي يعرفه الكثير من المخرجين السوريّين عن الأعمال العراقيّة؟ المخرج السوريّ ليس لديه اطلاع تام على الواقع العراقيّ، فيخرج العمل بصورة سطحية ومشوّهة». وكدليل على أهمية البيئة، يقول حسين ««باب الحارة» حكايته بسيطة، إلا أن بيئته شدّت المشاهد العربيّ... أما الدراما العراقية فإن موضوعاتها أكثر عمقاً وتحمل بعداً إنسانيّاً واجتماعيّاً وسياسيّاً».
يطول الحديث عن أزمة الدراما العراقية، وغربة المسلسلات عن بيئتها الحقيقية، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن أعمالاً عدة تناولت مواضيع جيدة وجذابة مثل أحوال العراق بين الحروب والحصار، والتقاتل الطائفي... ولكن كل هذه المواضيع أضعفها عامل رئيسي وهو... المصداقيّة في البيئة الدراميّة.