«البنت مثل الشاب» تقول أم هشام (60 سنة)، مؤكدة أنها ربت أولادها بالتساوي، بغض النظر عن جنسهم. تمعن النظر إلى فنجان قهوتها، وتضيف بعد تفكير مليّ «لكن مساحة الحرية تختلف». فالفتاة في رأيها كائن ضعيف، ما يدفعها إلى التشديد على بناتها أكثر من أبنائها، كما أن «فضيحة الفتاة في المجتمع لا تتساوى مع فضيحة الشاب». والفضيحة هنا تعني أمراً واحداً «ممارسة الجنس قبل الزواج»، وهذا سبب كاف لترفض من تمارسه رفضاً قاطعاً زوجة لأحد أولادها، فلو كانت الفتاة تتمتع بالأخلاق والفطنة الكافيتين، لعرفت أنه لا يجوز أن تقدم على «فعلتها» من أول الطريق.ماذا عن الفتيات الأجنبيات، عن زوجة أحد أبنائها تحديداً؟ تلفت أم هشام أنها لا تعرف شيئاً عن ماضي زوجة ابنها، لكنها توضح بنبرة خافتة أنها لم تكن راضية عن زواج ابنها، آخذة في الحسبان جميع الاحتمالات، لكنها قبلت في نهاية المطاف خشية أن «يزعل»، كما أنها تريد له أن يكون مرتاحاً وتثق بخياراته لأنها ربّته تربية صالحة، «وأكيد مش رح ينقّي كيف ما كان حتى لو من برّا».
أما أم أحمد (63 سنة)، فتذهب بعيداً إلى حدّ القول إنها ترفض حتى أن تكون الفتاة المطلقة زوجة لابنها، فما بالك بفتاة «فلتانة»؟ أم أحمد، التي تزوج ابنها أيضاً بفتاة ألمانية ووافقت على مضض بذريعة عدم تعدّد الخيارات أمامه، كانت تتمنى أن يفشل زواجه قبل أن يُرزق أولاداً. بيد أن خوفها تبدّد قليلاً خلال زيارتها له، إذ لاحظت أن تصرفات زوجته، لم توحِ لها بأنها من «النوع الذي أقام أي علاقات قبل الزواج». وبالنسبة إلى أم شربل (58 سنة) فالفتاة هشة ككأس الماء، قابلة للكسر، وهي ترفض أن يتزوج ابنها الوحيد فتاة أجنبية «ما عندها لا أصل ولا فصل، فليفعل ما يشاء في الخارج، لكن ممنوع إلا أن يتزوج بنت الحسب والنسب».
هذه المعادلة لا يقيم لها الشباب وزناً، إذ لطالما كان يحلم جوزف غ. (23 عاماً) بـ«فتاة شقراء وزرقاء العينين»، وقد استطاع تحقيقه حين وطئت زوجته الفرنسية أرض قريته الريفية في قضاء المتن. يروي جوزيف بثقة ووضوح أنه عاش مع زوجته في القرية قبل أن يتزوج بها رسميّاً. «واجهنا بعض الاعتراضات من البيئة المجاورة لنا، على أساس أن ما نفعله حرام، ما اضطرنا إلى القول إننا متزوجان مدنياً في بادئ الأمر». حتى عندما عُقد الزواج فعلياً، عارض البعض جوزيف بحجة أنه لا يعرف شيئاً عن ماضي علاقات زوجته. جوزيف الذي لا ينفي أنه ساءل زوجته عن علاقاتها السابقة، من باب العلم لا المحاسبة، أبدى انزعاجه من أنه ليس «الأول» في حياتها، لكنه يستدرك المسألة ويقول: «أنا أيضاً كانت عندي علاقات، شو هي مش إنسانة وعندها حاجات كمان؟».
أمّا علي ش.( 34 سنة) الذي اقترن بزميلته الجامعية في بريطانيا، فيقول إن حكمه على الأوروبيات تغيّر عندما هاجر من لبنان: «هنّ لسن متفلتات إلى الحدّ الذي خيّل إلينا». صحيح أن زوجته سبق أن أقامت علاقات جنسية «محدودة»، لكنها علاقات «مرّ عليها الزمن، ولو كانت حديثة العهد، لاختلف الأمر». طبعاً المسألة بالنسبة إليه تعدّ «نقطة سلبية»، لكنه صرف النظر عنها لأنها «طبيعية» في بيئتهم. يشاطر محمد ف. (38 سنة) وطوني ي. (30 سنة) علياً في رأيه، ويريان أن العلاقات الجنسية في الخارج أمر عادي، لكنها ليست مباحة وفوضوية كما نعتقد، وفيما لم يبد محمد أيّ مانع من القول إن زوجته لم تكن عذراء عندما ارتبط بها، يتردد طوني في الحديث عن زواجه، ويكتفي بالقول إنه لا يجوز أن تغيب عن بالنا حالات الاغتصاب المنتشرة بكثرة في البلدان الغربية «الفتيات لسن كلهن طيّعات لإقامة علاقات الجنس قبل الزواج».
لكن ماذا لو انعكست الأدوار، واستبدلنا جنسية الأجنبية باللبنانية؟
«ما في منّا هون! عنا البنت بتعمل عملتها عن هبل وقلة وعي وبتفلت..»، يجيب محمد ف. الذي ساكن زوجته الأجنبية قبل الارتباط بها. ويجمع الشبان على مقولة محمد، متذرعين بأن البلدان الغربية تتمتع بنسبة من الوعي والمسؤولية في السلوكيات الجنسية، بينما يعاني مجتمعنا جهلاً وتخلّفاً ما يؤدي الى الشك في صدقية بنت البلد وسمعتها. وفي رأيهم فإن المجتمع اللبناني صغير والعلاقات الاجتماعية وثيقة بين العائلات والبيئة المجاورة ما يجعل الوضع معقّداً ومثيراً للمشاكل، «بنت داقق فيها شب من ضيعتي تكون مرتي؟ شو بدي بوجعة هالراس» يعلق جوزيف بنبرة ساخرة.
على الرغم من وصفهم المجتمع اللبناني الشرقي بالمتخلف والجاهل، أكد الشباب أن تربية أولادهم ستكون على الطريقة اللبنانية أو ما بين بين. فالغرب في نظرهم «مخيف» للتربية، ونسبة انحراف الأولاد فيه كبيرة جدّاً ومهما حاول الأهالي توجيه أولادهم، فقد يفلت زمام الأمور من أيديهم في أي لحظة بسبب تأثرهم بالجو العام. أما في لبنان، فالضوابط الاجتماعية موجودة في الشارع والمدرسة وكل بيت مهما كان «منفتحاً».
في هذا الإطار، يشرح أستاذ علم الاجتماع التربوي وعلم النفس الاجتماعي في الجامعة اللبنانية د. طلال عتريسي أن «الشخص رهن مجتمعه وبيئته، وأحياناً يتغلب منطق المجتمع والعرف على منطق الدين والرغبات الشخصية. حتى لو كان الشخص مقتنعاً على نحو فردي بمسألة ما، إذا لم تتلاءم مع مجتمعه، فيفضل أن يتخلص منها، وإذا أصرّ فلن يعيش حياة مستقرة». ويضيف إن «الشاب الشرقي، بوجوده في بلد ثقافته مختلفة، لن يكون بمقدوره أن يفرض شروط ثقافته على مجتمع بأكمله، ولكونه الحلقة الأضعف، فعليه أن يرضخ للبيئة والقيم والسلوكيات المحيطة به. فزواجه بفتاة أجنبية أقامت علاقات جنسية قبل الزواج، يعدّ تنازلاً مؤقتاً عن جزء من ثقافته لا عن جوهرها، خشية أن يخسر تقبّل المجتمع الغربي له، إلا أنه علناً سيقدّم تبريرات أخرى تتعلق بانفتاحه أو تقبّله لهذه المسألة. وعندما يرزق أطفالاً يسعى إلى تربيتهم بحسب ثقافته، ليعيد التوازن الذي خسره عند الزواج، وهذا بالنسبة إليه الجوهر، لكن هذا دليل على وجود خلل ثقافي أيضاً».
من جهته، يرى مدير كلية العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، د. محسن صالح أن الفتاة الشرقية تواجه إجحافاً تاريخياً بحقّها، وأن المسألة لا تتعلق بحرية ممارستها للعلاقة الجنسية فحسب، بل بنسبة استقلاليتها والمسؤولية المكلفة بها. ويضيف صالح إن التفاوت في وجهات النظر تجاه مسألة واحدة، سببه عدم وجود صياغة محددة لمجتمعاتنا، فترى الناس حائرين بين الدين والقانون والعرف والمجتمع والانفتاح على الغير، ما يخلق نوعاً من عدم الاستقرار لدى الأفراد. ويستطرد قائلاً إن لدى الشاب الشرقي عقدة نقص الخارج والفتاة الأجنبية، إذ إنه يرى أنها تتمتع بخصائص معينة لا يجدها لدى فتيات مجتمعه.