يترقب اللبنانيون اليوم الذي سيفيقون فيه ليجدوا رقم 40 ألف ليرة يزيّن محطات البنزين. فقد اقترب موعد الارتفاع القياسي للسعر، مع استمرار المنحى التصاعدي للأسعار العالمية. اليوم سيرتفع سعر الصفيحة بين 300 و400 ليرة، ليقترب أكثر الى «الرقم الموعود». التوقعات العالمية حول سعر نفط الخام لا تبشّر خيراً. وزارة الطاقة غائبة كلياً عن الحدث. وزيرها جبران باسيل الذي ينأى بنفسه عن الأحاديث الصحافية لم يطرح حتى اليوم أي حل يمكن أن يقيه تبعات «الإنجاز» الجديد على مستوى أسعار البنزين التي يمكن أن تسجّل في ولايته.
فصفيحة البنزين التي تسعّر بآلية عجيبة تستهدف بأسعارها كل اللبنانيين. المحللون العالميون يعلمون أن ارتفاع الاسعار النفطية أصبح واقعاً، في سياق الأزمات المستمرة اقتصادياً وسياسياً، والتي لن تصل الى الخلاص في الفترة المقبلة. سعر الـ150 دولاراً لبرميل النفط ليس وهماً. وانعكاسات هذا السعر على لبنان ليست سراباً. وحين يكون نحو ثلث سعر الصفيحة في لبنان عبارة عن رسوم وضرائب، يصبح توقع انخفاض السعر المحلي ضرباً من المستحيل.
الأكيد، ان سعر البنزين في لبنان واقع بين نار الصراع بين ايران والولايات المتحدة من جهة، ونيران الرسوم والضرائب المفروضة على صفيحة البنزين محلياً من جهة اخرى. «سعر البنزين أصبح مرتبطاً بالسياسة أولاً ومن ثم بالتطورات الاقتصادية»، هذا ما تؤكده نائبة رئيس تجمع الشركات المستوردة للنفط دانيا عون. هذا الربط، يدفع الأسعار ارتفاعاً، من دون وجود آفاق حلول واضحة. «كل الخبراء العالميين يرون أن سعر النفط سيتخطى الـ150 دولاراً في العام 2013»، وبما أن لبنان بلد يستورد النفط ولا يدعم هذه المادة، فالمستهلك اللبناني سيكون في مأزق فعلي.
ترى عون أن آلية احتساب جدول تركيب أسعار المحروقات في لبنان (جمع السعر العالمي للبرنت خلال 4 أسابيع سابقة ليقسم على 4) يقي المواطنين من مفاجآت الارتفاعات الكبيرة لسعر النفط، لكنه في الوقت ذاته لا يفيد مباشرة من الانخفاض إذا حصل. لكن المشكلة ليست في الآلية، فبحسب عون، تنقسم الدول الى فريقين في كيفية التعاطي مع اسعار البنزين: جزء يدعم الصفيحة لصالح المستهلك، وجزء لا يتدخل أبداً بالسعر العالمي الذي يتغير يومياً في محطات الوقود. «أما لبنان فيعتمد آلية هجينة في هذا الموضوع، فالدولة لا تدعم الصفيحة وفي الوقت ذاته تتدخل بالسعر عبر وضع ضرائب ورسوم على البنزين». وبين الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة يرتفع سعر الصفيحة نحو 44 في المئة عن السعر المسجل عالمياً. «فإذا كان سعر الصفيحة 36 ألف ليرة، تكون الضرائب والرسوم المفروضة عليها حوالي 16 ألف ليرة»، تقول عون.
لكن رئيس نقابة أصحاب المحطات سامي براكس يرى في جدول تركيب الأسعار مشكلة أساسية، وغياب وزارة الطاقة عن وضع سياسة نفطية للبلاد هو المشكلة الأبرز. «لا أحد يعرف آلية الاحتساب المعتمدة في جدول تركيب الأسعار» يقول براكس. وهل يمكن اكتشاف الأخطاء في حال وجدت في الجدول؟ يجيب براكس بالنفي، اذ يمكن أن يزيد السعر الرسمي أو ينخفض من دون امكانية للجزم بوقوع الخطأ.
وإذا كان المشهد اللبناني قاتماً، فعلى أي سهم يعيش سعر النفط العالمي؟ فقد ارتفع سعر النفط فوق مستوى 115 دولاراً للبرميل يوم أمس، وأحد اسباب الاتجاه التصاعدي للأسعار هو الخطوات التحفيزية للاقتصاد التي سيعلن عنها البنك المركزي الأميركي، إذ إن الاجراءات هذه تؤدي الى ضعف الدولار بما يرفع اسعار السلع الأولية المقومة بالدولار ومنها النفط. ويدخل الكثير من العوامل في ارتفاع الاسعار، منها التوتر السياسي في منطقة الشرق الاوسط والعقوبات الاقتصادية على ايران، والأزمات الاقتصادية التي تصيب أوروبا وتؤثر على نشاطها الصناعي، اضافة الى ازدياد الطلب الآسيوي على النفط.
وتأتي الارتفاعات المتواصلة في الاسعار (25 في المئة منذ أواخر حزيران الماضي) في ظل صراع سياسي ــ اقتصادي بطلاه ايران والولايات المتحدة الأميركية. فقد أعلن وزير البترول والثروة المعدنية السعودي علي النعيمي أول من أمس، أن بلاده (التي تعدّ أكبر بلد مصدر للنفط في العالم) قلقة بشأن ارتفاع أسعار النفط، وأنها ستتخذ خطواط لضبطها. وفي هذا التصريح تلميح للدول المستهلكة للنفط بأنه لا ضرورة فعلية لاستخدام الاحتياطات النفطية فيها. اللافت في كلام النعيمي لم يكن فحوى الحديث بل توقيته الذي جاء بعد أربعة أيام من لقاء مسؤولين في الإدارة الأميركية مع محللين بقطاع الطاقة. وفسر البعض الاجتماع بأنه علامة على أن الرئيس الاميركي باراك أوباما يدرس اللجوء إلى استخدام إمدادات النفط الحكومية في محاولة لخفض أسعار الوقود في الولايات المتحدة قبل انتخابات الرئاسة المقبلة في تشرين الثاني المقبل. الا أن تصريحات النعيمي واجهتها تصريحات متناقضة من ايران. اذ أعلن وزير النفط الإيراني رستم قاسمي أمس، ان أسعار النفط الخام لا تزال منخفضة وقد ترتفع أكثر في الأشهر المقبلة نتيجة هبوط انتاج النفط من الحقول في بحر الشمال في اوروبا. ولعل تحليل قاسمي يدخل في سياق الأمنيات القابلة للتحقق، فإيران التي تعرف بأنها من «صقور الاسعار في اوبك» بحاجة ماسة إلى ارتفاع اسعار النفط لكي تعوّض تراجع حجم مبيعاتها من النفط من جراء العقوبات الغربية عليها.
ولحسم الجدال الحاصل، أعلن مندوبون خليجيون في منظمة أوبك أمس، أن الدول الخليجية الأعضاء في المنظمة تريد أن ترى أسعار النفط تتراجع إلى نحو 100 دولار للبرميل. علماً أن الدول الخليجية وأبرزها السعودية تعيش هاجس ارتفاع الأسعار منذ سنوات، وذلك بسبب مخاوف ترتبط باتجاه الاستهلاك العالمي الى بدائل النفط، ما يهدد اقتصادها بانهيار فعلي. كذا، تسعى الدول الخليجية المناوئة لإيران سياسياً الى تعويض انخفاض الصادرات الايرانية عبر تعزيز الانتاج.
وبين ايران وأميركا ودول الخليج وباسيل والحكومة اللبنانية جمعاء، يأتي يوم الأربعاء المشؤوم في منتصف كل أسبوع مثقلاً بسعر البنزين «الغالي»، ويجد المستهلك اللبناني نفسه أمام «حرب بنزين كونية» مدعّمة بضرائب ورسوم محلية، تستهدف أمنه الاجتماعي وجيبه المثقوب دائماً.



254 ألف برميل

اعلنت منظمة أوبك يوم أمس إن انتاجها ارتفع بمقدار 254 ألف برميل يوميا في آب الماضي رغم بدء سريان حظر الاتحاد الأوروبي على صادرات إيران من النفط في أول تموز، وتوقعت نمو الطلب العالمي على النفط عند 810 آلاف برميل يوميا في 2013



بين النفط والتحويلات والودائع

تشير دراسة لصندوق النقد الدولي صدرت مؤخراً، الى ان كل زيادة بنسبة 1 في المئة على مدخول البلدان النفطية تؤدي الى زيادة 40 مليون دولار في التحويلات الى لبنان. وتستند الدراسة الى ان 60 في المئة من التحويلات الى لبنان هي من البلدان العربية المصدرة للنفط.
من جهة أخرى، يؤكد البنك الدولي بحسب دراسة لكبير الاقتصاديين شادي بو حبيب أن كل زيادة بنسبة 1 في المئة في اسعار النفط العالمية تؤدي الى زيادة بنسبة 0،32 في المئة في الودائع المصرفية في لبنان.