في 11 حزيران الماضي، أغارت مُسيّرة إسرائيلية على علي سبيتي (44 عاماً) وزوجته غادة عبادي (38 عاماً) أثناء قيامهما بقطاف الزعتر البري في وادي القصير الواقع بين بلدتهما كفرا (قضاء بنت جبيل) وبلدة دير عامص (قضاء صور). بعد ستة أيام، استشهدت عبادي متأثّرة بالجروح التي خلّفتها الشظايا في أنحاء جسدها. فيما خضع علي لعلاج مكثّف من الحروق التي طاولت جسده.بخطوات متثاقلة، يقودنا سبيتي إلى منزل الزوجية في كفرا. الطريق تظلّلها لافتات ترثو زوجته، معلّمة الروضات في مؤسسات أمل التربوية في السلطانية. يفتح الباب وهو يقول: «هذا بيتنا الذي لم يتسنَّ لنا إنجازه بعد». منذ زواجهما قبل 13 عاماً، لم يُرزقا أطفالاً، لكنهما جاهدا ليشيدا منزل الأحلام. رغم أنها تكره الغربة، وافقت على السفر معه إلى ليبيريا ليجمعا مالاً يكفيهما للاستقرار في لبنان وتأسيس مشروع اقتصادي. مكثا سبع سنوات، ولكن قبل أن يجمعا المبلغ الكافي، أصيبت عبادي بعارض صحي، وشخّص الأطباء إصابتها بالسرطان، فقرّرا العودة إلى لبنان لتلقّي العلاج، قبل أن يتبيّن أن التشخيص كان خاطئاً. اعتبراها ولادة جديدة، فقرّرا البقاء. عمل في مجال البناء ثم بيع الثياب وأخيراً بيع الخُضر، فيما هي، الحائزة على إجازة في الكيمياء، عملت في صيدلية ثم مدرّسة منذ عامين. منذ ثلاث سنوات، اعتادا قطاف الزعتر من وديان كفرا لتأمين مؤونتهما ومؤونة عائلتيهما. قبل الغارة بثلاثة أيام، بدآ بالتوجه يومياً إلى وادي القصير بسيارتهما الـ«رابيد»، وكان كل منهما يذهب في اتجاه، ثم يلتقيان بعد نحو ساعتين لجمع «الغلة». في ذلك اليوم، لم يفترقا للمرة الأولى في رحلة الزعتر. ترافقا ولم يسمعا صوتاً للمُسيّرات التي تحلّق فوقهما. عادا إلى الـ«رابيد» حيث التقطت عبادي «سيلفي» لها ولزوجها. ما هي إلا ثوانٍ حتى سمعا صوت انفجار وغطّاهما العصف والدخان. عندما استعاد سبيتي وعيه، شاهد النار تشتعل في ثياب زوجته، فيما أصيب هو بجروح وحروق. آخر ما سمعه منها: «شو صار؟ بدي قوم بس ما فيي». بعد نقلهما إلى مستشفى تبنين الحكومي، نُقلت عبادي إلى بيروت. وعندما كان يسأل عنها، كان جواب الأهل أنها «بخير». في يوم استشهادها، نُقل هو أيضاً إلى أحد مستشفيات بيروت بسبب حروقه من الدرجتين الثانية والثالثة. بعد خروجه من المستشفى قبل أيام، أصرّ سبيتي على الإقامة في منزله الذي فرغ إلا من صور غادة التي تملأ غرفته، متيقّناً أن لا ولادة جديدة هذه المرة.
لم تكن جريمة إسرائيل الأولى بحق سبيتي. في عدوان تموز 2006، دمّرت غارة منزل والده جهاد سبيتي ومنزل جده لوالده بينما كان والداه وأشقاؤه وعماته فيهما. منذ صغره، فتح عينيه على اعتداءاتها على كفرا التي تحرّرت عام 1986، لكنها ظلت تتعرض للقصف حتى تحرير الجنوب عام 2000 بسبب تحوّلها إلى قاعدة انطلاق للمقاومين ووجودها على خط تماس مع المنطقة المحتلة. بسبب كل هذه الجرائم، لطالما فكّر سبيتي بمقاضاة إسرائيل، لكنه اليوم يملك حافزاً إضافياً. «ليس مهماً أن يتخذ المجتمع الدولي إجراء بحقها، لكنّ العبرة بتسجيل موقف».