حتى اللحظة، يبدو أن حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، متمسّك بإدارة للمرحلة الانتقالية، فيها ثوابت واضحة بمعزل عن مدى تطابقها أو اختلافها مع السياسات النقدية السابقة. هذه الثوابت تقوم على فكرتين أساسيتين: استقرار سعر الصرف، منع إفلاس أي مصرف. في ما عدا ذلك، يناقش منصوري في كل القضايا المطروحة على الطاولة، ولا سيما في ما يتعلق بمشاريع معالجة أوضاع المصارف ومسألة توزيع الخسائر.
(هيثم الموسوي)

في الثوابت، يرفض منصوري الإقرار بأن استقرار سعر الصرف، اليوم، مماثل لسياسة تثبيت سعر الصرف التي اتُّبعت في أيام رياض سلامة. وبرهانه على ذلك، أنه أوقف تمويل الحكومة بشكل نهائي، بل بات يستعمل الأدوات الحكومية في مهمّة تأمين هذا الاستقرار بدلاً من إغراق السوق بدولارات المودعين. بحسب المطّلعين، فإن رياض سلامة أغرق السوق بنحو 400 مليون دولار من أموال المودعين في أيامه الأخيرة التي أمضاها في مصرف لبنان. فعندما صار معروفاً للجميع أن منصوري سيقوم بإيقاف عمليات «صيرفة» كانت هناك مبالغ أودعها الزبائن لدى المصارف من دون أن يكون لها تمويل بالفريش، ما دفع سلامة إلى تسديدها من السيولة بالعملة الأجنبية التي يملكها مصرف لبنان، أي «الاحتياطات بالعملة الأجنبية» التي يطلق عليها تسمية «أموال المودعين». رغم ذلك، لا يأتي تأمين الاستقرار في سعر الصرف، بلا كلفة. فمن الممنوع على الحكومة الإنفاق أكثر مما يحدّده مصرف لبنان لها، وعليها أن تتقيد بوتيرة الإنفاق كما يريد مصرف لبنان حتى لا تخلّ بهذا الاستقرار. وبالتالي، فإن الحكومة تعيش في أقسى ظروف التقشّف بسبب هذا الاستقرار الذي لا يبدو مفيداً للاقتصاد والمجتمع بالمقدار الذي يروّج له. وهذا ما يثير سؤالاً أساسياً: هل بإمكان منصوري أن يكسر هذا النموذج الذي يعلق الجميع فيه؟
يقود هذا الأمر نحو المسألة الثانية؛ منع إفلاس أي مصرف. هذه السياسة كانت متبعة في السابق، بل كانت «فخر» صناعة رياض سلامة إلى جانب ثبات سعر الصرف. وحتى الآن، أحيل عدد محدود من المصارف إلى الهيئة المصرفية العليا في ملفات لا تتعلق بأوضاعها المصرفية المرتبطة بالأزمة فحسب، بل ثمة الكثير مما يشير إلى وجود اختلاسات أو عمليات «خارج الصندوق».
خطة منصوري تقوم على: شطب الفوائد الزائدة، مصدر الأموال، تصنيف بين ودائع عادية واستثمارية

لذا، تبدو سياسة منع إفلاس أي مصرف، مسألة مرتبطة بما تقوم به الهيئات الناظمة حول العالم، إذ يكون منع إفلاس المصارف هو الهدف بذاته، إلا أنه في الحالة اللبنانية حيث كل المصارف مفلسة بشكل غير معلن، هو تمهيد لتسوية ما يمكن القيام بها مع المجموعة الأكبر من المصارف، وهذا يتطلب الاتفاق على توزيع الخسائر. هنا يثار سؤال أساسي: أي ودائع يمكن التضحية بها، وأيها يكون غير قابل للتضحية؟ في الواقع، ما سُرّب عن خطة منصوري للتسوية، يقوم على ثلاثة مسارات أساسية: شطب الفوائد الزائدة، إثبات شرعية مصدر الأموال، تصنيف الودائع بين زبائن عاديين وزبائن مستثمرين. في شطب الفوائد الزائدة، ثمة قرار يفترض أخذه يتعلق بالنسبة التي يفترض شطبها. أما بالنسبة إلى إثبات شرعية الأموال، فما يُنقل عن منصوري هو أنه سيكتفي بإظهار ما يثبت هذه الشرعية، وبالتالي لن تُشطب الأموال الآتية من أفريقيا كما يسوّق، إنما ستُشطب الأموال التي لا مالك فعلياً لها والتي أتت في مراحل مختلفة من العراق وليبيا والأردن ومن سوريا أيضاً. أما التمييز بين المستثمر والمودع، فهو سيتيح استخدام أدوات مثل السندات الدولية «زيرو كوبون». فالمستثمر كان يعلم المخاطر، لذا عليه أن يتحمل وأن يوافق على تحويل وديعته إلى استثمار في المصرف، أما المودع الذي لا يمكن تحميله مخاطر ائتمانية، فيمكنه أن يحصل على تعويض مقابل وديعته.
هذه الخطّة يضع منصوري لمساتها الأخيرة حالياً، وهي تختلف في بضع مسائل عما ورد في مشروع قانون معالجة أوضاع المصارف الذي قدّمه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ونائب الرئيس سعادة الشامي. منصوري يبدي أمام زواره انزعاجه الشديد من «لصق» المشروع به بينما هو يعمل على خطّة مختلفة.