يُشكّل القطاع غير النظامي تحدّياً كبيراً للدولة اللبنانية، وخصوصاً بعد الأزمة التي سهّلت على الجزء الأكبر من الاقتصاد الانتقال إلى العمل بشكل غير نظامي. فقد أصبح هذا القطاع (المؤسسات التي تعمل بلا ترخيص رسمي أو تصريح عن وجودها للدولة) يستحوذ على 60% من الوظائف في لبنان بعدما كانت حصّته قبل الأزمة تقتصر على 40% من الوظائف. ونجمت هذه الزيادة بشكل أساسي من زيادة مماثلة في عدد المؤسسات غير النظامية، إذ ارتفعت حصّتها في القطاع الخاص إلى 34% في 2022 مقارنة مع 23% في 2018، بحسب أرقام البنك الدولي.بمعايير البنك الدولي، يشمل القطاع غير النظامي الشركات غير المسجّلة لدى الدولة. هذه الشركات لا تعمل بموجب تصريح للدولة عن أعمالها، وهذا يتضمن إخفاء أرباحها والتهرّب من تسديد الضرائب ومن التصريح عن العاملين لديها. هي على الأوراق غير موجودة، بعكس الواقع. أما العمالة غير النظامية، فهي تشمل العمّال غير المسجّلين، أو غير المصرّح عنهم للدوائر الرسمية مثل وزارة المال والضمان وسائر الإدارات الأخرى، وقد يعمل هؤلاء في شركات مسجّلة وفي شركات غير نظامية، إلا أنهم لا يحصلون على أي نوع من حقوق العمل والمزايا المتعلقة بالتغطية الصحية عبر الضمان الاجتماعي والإجازات السنوية والإجازات المرضية المدفوعة الأجر، أو تعويض نهاية خدمة، وبالتأكيد ليس لديهم أي حماية رسمية تجاه ديمومة عملهم، وبشكل عام يعملون بلا عقود عمل.
ما سهّل انتشار الاقتصاد غير النظامي هو غياب دور الدولة خلال الأزمة، وذلك بعد الضعف الذي أصاب مواردها، حيث كثُرت الإضرابات وأصبحت فعّالية العمل منخفضة بسبب انخفاض الأجور العامّة. ومن ناحية أخرى، أسهم التحول نحو اقتصاد الـ«كاش» في تعبيد الطريق أمام تحوّل واسع في الاقتصاد نحو «غير النظامية». وبحسب تقرير البنك الدولي الأخير تحت عنوان «تقييم الفقر والمساواة في لبنان 2024: التغلب على أزمة طويلة الأمد»، أصبح لبنان «اقتصاداً قائماً على الدولار النقدي، وهو ما يعمل لمصلحة من يتقاضون رواتبهم بالعملة الأجنبية. وتشير التقديرات إلى أن حجم الاقتصاد النقدي المقوّم بالدولار قد ارتفع من 26% في عام 2021 إلى نحو 46% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022. يمكن أن تشكل دولرة الاقتصاد عائقاً أمام النمو الاقتصادي لأنها تزيد من مخاطر غسل الأموال والعمل غير النظامي والتهرب الضريبي».
42% من الذين ينتمون إلى أسر فقيرة يعملون في وظائف تدفع أجوراً يومية أو أسبوعية


العمل غير النظامي هو أحد أنواع اللامساواة، وهو يحرم العامل من حقوقه. لكن سمته الأساسية أن العمّال القادمين من العائلات الفقيرة هم أكثر ميلاً للعمل بوظائف غير نظامية، وهذا ما يسهم في زيادة أوضاعهم المعيشية سوءاً. فبحسب تقرير البنك الدولي، «يميل الفقراء في لبنان إلى الانتماء إلى عائلات أكبر حجماً، ويمتلكون مستويات أقل من رأس المال البشري، وينخرطون بأغلبيتهم في الأعمال غير النظامية التي تتطلب مهارات منخفضة، ويواجهون معدلات أعلى من البطالة». هذا الأمر يجعل العائلات الفقيرة أكثر عرضة للصدمات الاقتصادية، بسبب غياب شبكات الحماية الاجتماعية التي يؤمنها العمل القانوني، من الاستفادة من الضمان الاجتماعي وتعويضات نهاية الخدمة.
ويُظهر تقرير البنك الدولي أن 42% من العمّال الذين ينتمون إلى الأسر الفقيرة يعملون في وظائف جزئية تدفع لهم الأجور يومياً أو أسبوعياً، في حين أن 40% من هؤلاء يعملون في وظائف بأجر شهري، ويعمل 13% منهم أعمالاً حرّة تحتاج إلى مهارات منخفضة. في المقابل، فإن 61% من العمّال الفقراء يزاولون أعمالاً بأجر شهري، في حين يعمل 14% منهم فقط بأعمال جزئية تدفع أجورها بشكل يومي أو أسبوعي.
ويقول البنك الدولي إن الأعمال الحرّة عند الفقراء «تشمل أفراداً من ذوي المهارات المنخفضة، حيث يُشكّلون 83% منهم، في حين أن ما يقرب من نصف العاملين لحسابهم الخاص من بين غير الفقراء حصلوا على تعليم ما بعد الثانوي».



87%
هي نسبة العمّال الفقراء الذين يزاولون أعمالاً غير نظامية، في حين تبلغ هذه النسبة من العمّال غير الفقراء نحو 56%، وتبلغ نسبة العمّال الفقراء في الشركات غير النظامية 56%، وتبلغ هذه النسبة من العمّال غير الفقراء 29%

99%
من العمّال السوريين الفقراء يعملون في أعمال غير نظامية، ما يعني أن معظم العمّال السوريين الفقراء محرومون من حقوقهم العمّالية ويعملون في ظروف سيئة

65%
نسبة العمّال الإجماليين الذين يزاولون أعمالاً غير نظامية، وقد ارتفعت هذه النسبة خلال الأزمة بعد أن كانت 52% في عام 2018